|
شباب ناضجين وقادرين على حل مشكلاتهم بأنفسهم واتخاذ القرار المناسب ,غير آبهين بما يمكن أن يحدث لهم أومعهم ,متناسين أن الأسرة البنية الأساسية في بناء الإنسان والمجتمع ,وأنهم بهذه القناعات أوجدوا هوة عميقة بينهم وبين أبنائهم قد تجعل منهم فريسة للبعض لتحقيق أهداف وغايات ربما غير مشروعة في معظم الأحيان ,ما قد يودي بحياتهم أو يضعهم خلف القضبان وسبب ذلك أن آباءهم وأمهاتهم لم يكونوا على قدر
المسؤولية بعزفهم عن التواصل معهم لاعتقادات لا معنى لها إلا الهروب من المسؤولية. وللحديث عن أهمية التواصل الأسري ودوره في توعية الشباب أجرينا التحقيق التالي الذي حمل في بدايته آراء بعض الآباء والأمهات والأبناء في التواصل الأسري وإليكم: * سعيد – ع – مدرس لمادة اللغة العربية قال: أنا أب لثلاثة أولاد أكبرهم في السابعة عشرة من عمره وزوجتي موظفة في إحدى المؤسسات الحكومية وفي الحديث عن التواصل الأسري أعتقد أنه من الضروري جداً أن يتوفر في كل أسرة لأنه الرابط الوحيد بين الآباء والأبناء وعبره تتم عملية التنشئة الاجتماعية التي هي حجر الزاوية في صناعة الإنسان ,ولن أغالي فقد لمست أحد الايام أن ابني الكبير قد تغيرت أخلاقه في المنزل وأصبح شرساً مع أخوته إضافة لخروجه المتكرر من المنزل فتعقبته في أحد الأيام ووجدت أنه يجتمع مع بعض أصدقائه الذين لا أعرف عنهم شيئاً وعندها وجدت أنه لابد من معرفة أسباب هروبه من المنزل والمشكلات التي ربما يعاني منها عبر التواصل معه خصوصاً وأنه في سن المراهقة ,فدعوته إلى أحد الكافيتريات وجلست معه عدة مرات وبعد أشهر لمست أن طباعه قد تغيرت وأخذ يفكر بشكل جدي بمستقبله ,لكن مع ذلك مازلت أتواصل معه بشكل دائم. * مفيدة – ز- أم لابنتين وولدين قالت:باعتبار أن زوجي غير قادر على التواصل مع الاولاد أمام عمله الطويل وجدت أنه من واجبي التعرف على مشكلاتهم وهمومهم وتوجيههم بالشكل المناسب بعد أن شاهدت عدة برامج تلفزيونية تربوية وفعلاً أخذت بالتقرب من ابنتي الكبيرة وعمرها ستة عشر عاماً والتعرف على مشكلاتها الخاصة ,محاولة توجيهها ومساعدتها في كثير من الأمور ومضت السنوات وحصلت على الثانوية العامة وسجلت في كلية الآداب ومع ذلك لم تغمض عيني عنها بل استمررت في توجيهها إلى أن تخرجت من الجامعة وتزوجت وأصبحت الآن أماً ,والحقيقة لولا أنني تنبهت لأهمية التواصل معها لربما عزفت عن متابعة تحصيلها العلمي وأصبحت كغيرها من الفتيات التائهات. *أشرف – ص- سبعة عشر عاماً – قال: لم اشعر أن والدي الذي يعمل سائق باص أو أمي حاولا يوماً التقرب مني أو مساعدتي في حل مشكلاتي أو حتى سألني احدهما من أين جئت ؟ وإلى أين أنت ذاهب ؟ فرافقت عدداً من الأصدقاء وأخذت أسهر معهم خارج المنزل ,فأهملت دروسي وخرجت من المدرسة وتعلمت التدخين وبعد فترة اشتغلت في أحد المطاعم وأخذ رفاقي يترددون علي في عملي إلى أن حصلت سرقة في المطعم أحد الأيام واتهم صاحب المطعم أحد أصدقائي وعلى أثر ذلك طردني من عملي ,وبالتالي لا أبالغ إذا قلت لو اهتم بي والداي وتقربا مني لربما لم أرافق أولئك الأصدقاء. * الشابة علياء – ع- عشرون عاماً قالت: أعيش في كنف أسرة مؤلفة من خمسة أشخاص ,والدي ووالدتي موظفان ومع ذلك كانا يراقبان جميع تصرفاتي ويحاولان توجيهي دائماً منذ أن كان عمري خمسة عشر عاماً وكنت أمتثل لتوجيهاتهما مع أنني بصراحة كنت أتذمر في بعض الأحيان من بعض أسئلتهما مثل أين كنت ؟ وإلى أين أنت ذاهبة ؟ وغير ذلك من الأسئلة ,لكن كانت ومازالت والدتي تجلس معي وتناقشني في أمور كثيرة وأصبحت صديقتي الأولى التي أطرح أمامها مشاكلي ومنغصاتي وهمومي بصراحة ووضوح لأجد عندها الحل المناسب إلى أن حصلت على الشهادة الثانوية وسجلت في كلية الهندسة المدنية وأنا الآن في السنة الثانية ومع ذلك مازلت أتلقى توجيهات من والدتي وأصارحها بكل شيء ,من هنا أعتقد أن التواصل بين الآباء والأمهات والأبناء ضروري جداً لبناء أسرة صالحة. ----------------------------------------- الضامن لسوية الأولاد وللحديث عن أهمية التواصل الأسري ودوره في توعية الآباء التقينا الدكتور عزت شاهين الباحث والأستاذ في قسم علم الاجتماع بجامعة دمشق الذي بدأ حديثه فقال:إن التواصل المستمر بين الأبوين في الأسرة وأولادهما بمثابة الضامن الحقيقي لسوية هؤلاء الأولاد وبث قيم الأسرة وثقافة المجتمع والقيم الوطنية بشكل عام بهم وكلما اتسعت المسافة بين الأبوين والأولاد داخل الأسرة كلما كان ذلك بمثابة إفساح المجال أمام هؤلاء الأولاد للشذوذ والانحراف. ----------------------------------- انتبه من فضلك وقد بينت إحدى الدراسات في سورية أن 70%من الأبناء المنحرفين كان تواصلهم مع آبائهم إما شبه معدوم أو ضعيف جداً خاصة في حالات غياب الأب أو انشغاله وعدم مقدرته على التواصل مع أبنائه. تكنولوجيا وعلاقات مفككة ويضيف الدكتور شاهين فيقول: إن عدم تواصل الأب مع أبنائه قضية تزداد مفاعيلها في أيامنا هذه نتيجة لاعتبارات كثيرة منها الانتشار الواسع لتكنولوجيا المعلومات والاتصال من الفضائيات إلى شبكات التواصل الاجتماعي الانترنت ,ما يعني أن ما يقضيه الشاب أو الفتى مع هذه الوسائل يفوق بعدد الساعات الأوقات التي يتواصل بها مع أفراد أسرته وأبويه ولعلنا نلمس على أرض الواقع تجليات ذلك من خلال إلقاء نظرة بسيطة على شريحة أولئك اليافعين الذين يخرجون للقيام ببعض أعمال الشغب خلال الأحداث الجارية التي تشهدها سورية حالياً حيث أجزم بأن الغالبية العظمى من أولئك الفتيان واليافعين قد لا توجد لديهم تلك العلاقات القوية المتينة التي تربطهم بأفراد أسرتهم وآبائهم بالدرجة الأولى وإلا لكان الوضع مختلفاً لوكانت الصورة عكس ذلك بمعنى لو كانت هناك علاقات قوية وراسخة تجمع أفراد الأسرة وهؤلاء اليافعين مع آبائهم لكان لرأي الأب أو الأم أثر وصدى عند ذلك الفتى أوالشاب وربما كان هناك وضع ما داخل الأسرة هو الذي أدى إلى عدم امتثال الشاب أو الفتى لرأي الأبوين مثل عدم مبالاة الآباء نتيجة لانخفاض مستوى الوعي والضمان لديهم أوعدم تقديرهم لمخاطر الأمور فيما لوكان ابنهم أو أولادهم بعيدين عنهم يتصرفون وفق ما يشاؤون دون أن يكون هناك مرجع لهم يقتدون به ويحذون حذوه. ------------------------------ عدم التواصل وآثاره وعن آثار عدم التواصل الأسري على الفرد والمجتمع يقول الدكتور شاهين: إن عدم التواصل بين الآباء والأبناء يترتب عليه قضايا كثيرة منها غالباً ما سيكون المثل الأعلى لهذا الشاب من حيث القيم والمبادئ والتطلعات والأحلام وكل ما يؤطر لأنماط السلوك بعيداً عن تلك القيم والمبادئ التي تريد الأسرة أن تزرعها في أبنائها. ----------------------------------- الانحراف وضعف الولاء للوطن ثم غالباً ما يؤدي عدم التواصل إلى ضعف الولاء والانتماء للوطن خاصة مع الانتشار الكبير لوسائل الاتصال والإعلام حيث يأخذ الشباب أواليافعون قيمهم ومبادئهم من ثقافات أخرى وبالتالي يصبح نمط حياة المجتمعات البعيد عن مجتمعهم كل ما يتمنوه ونلحظ ذلك من خلال الأحاديث التي نسمعها على ألسنة الشباب من حيث توقهم لنمط الحياة الغربي والثقافة الغربية وربما الهجرة إلى تلك البلدان وهو الأخطر إذ يتعلق بإمكانية انحراف وشذوذ هذا الشاب وبهذه الحالة هناك ارتباط عكسي بين التواصل مع الأهل وإمكانية الانحراف إذ كلما زاد التواصل مع الأهل وكانت العلاقة بهم قوية كلما ابتعد الشاب عن الانحراف وبمعنى آخر كلما تقدم الآباء باتجاه أبنائهم خطوة أبعدوهم عن إمكانية الانحراف خطوة والعكس صحيح وخير مثال الأحداث الحالية ببلدنا سورية. -------------------------- والحل؟؟؟ وعن الحل العلمي والاجتماعي والأسري لهذه المشكلة يضيف الدكتور شاهين:إن المبدأ الأساسي لإبعاد خطر عدم التواصل أو نفور الفتى من أبويه الابتعاد عن ممارسة السلطة التقليدية الأبوية منذ سني حياته الأولى من خلال عمل الأب بعدم القمع والمنع والحجب والإكراه بل بالمشورة والإقناع ليستمر بهذا الأسلوب حتى يصبح ابنه في مرحلة من العمر يتوجب عليه معاملته كبالغ أو راشد ,يحاوره ويتبادل الرأي معه ويتجنب كثيراً الضغط عليه وقمعه ومنعه ,لأنني كأب كلما وسعت دائرة المحظورات والممنوعات على ابني كلما أصبح تواقاً أكثر ليفلت من سلطتي ويعمل ما يحلو ويطيب له ومثال ذلك التعامل مع الإنترنت ووسائل التكنولوجيا الحديثة حيث يعمد بعض الآباء من مبدأ الخوف والحرص على أبنائهم إلى منعهم من التعاطي مع هذه الوسائل الأمر الذي يؤدي بكل تأكيد إلى ردود فعل سلبية تماماً (كثرة الضغط يولد الانفجار),لذلك فالأسلوب الأمثل ليس بالحجب التام وليس بالمسموح التام وإنما يكون ضمن إطار منطقي خاصة عندما يكون الأب قد ربى أولاده على الصدق والصراحة والوضوح عندها لا مشكلة إن تعاطوا مع مثل هذه الوسائل. --------------------------- رسالة وختم شاهين حديثه برسالة لأبنائنا وشبابنا السوري فقال: ياأبنائي اتقوا ربكم بآبائكم فالأب ياأعزائي ليس عدواً للابن وحين تحصل بعض الإشكالات مع آبائكم وحينما تبدو على آبائكم بعض التصرفات التي لا تروق لكم ثقوا تماماً أنها ليست إلا حرصاً وخوفاً عليكم ,فليبقى آباؤنا مثلنا الأعلى وقدوتنا فهم المرجع والدليل بهم نزداد قوة ونستطيع أن نواجه ما يصادفنا من مشكلات وعليهم يمكن الاعتماد ,وهم ليسوا بأعداء يتربصون بأولادهم شراً ,فلا توسعوا الفجوة معهم ولا تتهمونهم بأنهم من الجيل القديم وغير صالحين لهذا العصر ,ليبقوا هم القدوة والمثل يمكن أن تتعلموا منهم ويمكن أن تفيدوهم بتجاربكم. |
|