تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


حتى المافيا تغير أساليبها

هآرتس
ترجمة
الأثنين 27-8-2012
ترجمة : ريما الرفاعي

من باب المقارنة النسبية، يجوز النظر ولو للحظة في تاريخ عائلات الجريمة في اميركا، وأفلام المافيا وسلوك رجل المافيا الكلاسيكي حتى لو كان ذلك تدريبا للذهن. وقد وجدت المافيا مثل كثير من الدول الفتية ومنها اسرائيل،

نتائج تفجر عنيف وسيطرة بالقوة وصراع عنيف لا هوادة فيه بين عائلات المهاجرين التي أصبحت عائلات جريمة. أرادت المافيا ان يسود عدم العدل، وأرادت الدولة الوليدة ان تحقق العدل بحسب تصورها على الأقل.‏

وبشكل عام، كان الجيل الاول فيها جيلا عنيفا، بيده بندقية ولغته قاتلة ولغته تقوم على التهديد . كان المطلوب احتلال ارض واستيلاء على مناطق عيش ومناطق تأثير أو اسقاط سلطة اجنبية وانشاء دولة .كانت الأهداف مختلفة والوسائل متشابهة. وهكذا نشأ ايهود باراك مثلا والهراوة في يده. فهو محارب يحمل أوسمة قضى أكثر سنوات عمره في معسكرات الجيش وكان استعمال القوة وسيلته الأكثر رواجا. وجرب بين الفينة والاخرى وسائل عمل اخرى فشل فيها دائما فشلا ذريعا. وهو ينوي الآن أن يعود الى مصادره عالقا عند مرحلة الهراوة. هنا بالضبط تنفصل طريق الدولة عن طريق المافيا. فالجيل الثاني والثالث من المافيا يتطوران ويتغيران تغييرا تاما احيانا. وبعد ان يسيطر رجل المافيا على مراكز القوة يتجه ابن الجيل الثاني والجيل الثالث الى تثبيت قوته بوسائل اخرى. فهو يتفاوض مع عائلات ومنظمات اخرى ويقررون معا حدودا واضحة معترفا بها، مع ميزان ردع لا يحتاج بعد ذلك الى استعمال وسائل عنيفة. وهو يثبت قوته بأعمال شرعية ويحاول ان يتحول بالتدريج الى رجل أعمال مقبول و محترم.‏

والجيل الجديد الذي ينشأ في العائلة غير مشابه لجيل آبائه. فهو يعيش في رخاء اقتصادي ويتمتع بلذات الحياة، ولا يريد جيل الأبناء ان يلطخ يديه بعد ذلك بالدم والقتل ويضيق ذرعا بحياة الخطر الدائم. ان هذا الجيل يطمح الى شيء مختلف تماما. فهو يريد الشرعية والنزاهة وتصبحان هدفه الأعلى، ويريد ان يكون مقبولا في المجتمع وان يصلح صورته الماضية. وهو يتبرع لأهداف اجتماعية ويقيم امبراطورية اقتصادية قانونية بعيدة جدا عن اعمال الكحول المظلمة في فترة الجفاف مثلا في اميركا في القرن الماضي. ومن النادر ان نرى جيلا شابا من عائلات الجريمة الايطالية يستمر في تراث العنف والاخلال بالقانون الذي كان يميز حياة آبائه. فالمافيا تتقدم وتتكيف وتتغير.‏

لا يحدث هذا في اسرائيل. ينبغي ان نؤكد أنها ليست مافيا، لكن يجوز كما قلنا ان نتعلم شيئا ما منها. ان جيل المؤسسين والمقاتلين أحرز نصيبه وانشأ دولة يفخر بها وإن كان في طريقه اليها قد تسبب في مظالم تاريخية. لكن الأجيال التي جاءت بعده لم تتعلم كيف تُكيف نفسها مع التغيير، فهي لا تزال هناك عالقة في الماضي العنيف، في مرحلة الهراوة، مع سور وبرج وعمليات الرد ومع البندقية المتحدثة المنفلتة التي هي قاعدة لكل شيء تقريبا والتي أُضيفت اليها على مر السنين كل وسائل القتال الموجودة في العالم تقريبا. ومن المشكوك فيه ان تكون الأجيال الجديدة التي نشأت فيها مستعدة للاستمرار في ذلك برغم غسل الدماغ كله ، لكن اسرائيل لا تستنتج من هذا ايضا شيئا.‏

لم تقم اسرائيل قط بمحاولة حقيقية كي تحظى بالقبول في المحيط الذي توجد فيه. ولم تحاول منذ زمن ان تحظى بقدر أكبر من الشرعية الدولية. بل على العكس لا تزال تفقدها على مر السنين. وأشد من ذلك أنه يبدو انه لا يهمها ان الامر كذلك، بل انه ليس لها حدود وارض معترف بها. والحقيقة هي أنها لم تبذل أبدا أي محاولة جدية التخلي عن طرق العمل التي كانت موجودة ذات يوم . فهي لا تزال تحيا على سلاحها سواء احتاجت اليه أم لا .وهي تحاول ان تحل بالقوة كل مشكلة دولية تعرض لها من قافلة بحرية تركية الى الذرة الايرانية كما كانت الحال في تلك الايام الاولى. استمعوا الى ايهود باراك، الرجل والبيانو، وهو يغير نظم الحكم ويهدد لتروا أنهم تحدثوا بالطريقة نفسها بالضبط ذات مرة في أيام حكم المافيا.‏

 بقلم: جدعون ليفي‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية