|
حصاد الورق «مشترك بين مختلفين» لما فيه من إيجاز لتلك العملية التثاقفية المعقدة وتعبير عن دلالتها الإيجابية بما هي شراكة واشتراك وليس تبعية أو هيمنة.. لأن المثاقفة لاتتحقق إذا خلت من طرفين واقتصرت على طرف واحد يضخ ثقافته في الاتجاه الآخر. من الناحية العملية وكما علمنا تاريخ العلاقات البشرية لا وجود لثقافة معطية بشكل دائم أو أخرى متلقية باستمرار وهذا يقودنا إلى الحديث عن تداخل ثقافي متبادل في أفضل الحالات أو عن تقاطع ثقافي في أقلها حسناً. المختلف لا يقوم بذاته لحاجته إلى ما يختلف عنه، وإلا لما أمكن إدراكه: هو مختلف لأن مختلفاً عنه يبرزه، كالحسن يبرز حسنه الضد، والأنا لا يدرك ذاته أو مسوغ وجوده إلا من خلال «أنت» و الـ «أنت» يمكن أن يبقى كذلك إلى ما لا نهاية ظناً منه أنه «أنا» إذا لم يواجه الآخر. ومن هنا لزوم المواجهة بينهما عبر عملية التواصل، فالحوار انتهاء باعتراف كل طرف باختلافه عن الآخر وضرورته له في الوقت نفسه، وبما أننا نتحدث عن الترجمة بوصفها أداة مثاقفة نشير إلى أن الأقوال فيها تعددت، والاختلاف حولها يطول مثلما تنوعت واختلفت طرائق العمل فيها بدءاً بطريق يوحنا بن البطريق الذي كان ينظر إلى كل كلمة مفردة من الكلمات اليونانية وما تدل عليه من المعنى، فيأتي بلفظة مفردة من المفردات العربية ترادفها في الدلالة على ذلك المعنى فيثبتها وينتقل إلى الأخرى، كذلك حتى يأتي على جملة ما يريد تعريبه. ويبرز هذا الحوار في أوضح أشكاله في عملية الترجمة ولكي تكون ترجمة لابد من وجود مترجم عارف بالآنيين قادر على خلق مساحة ثالثة أو فضاء ثالث بين الفضاءين فيتحول من حيث شاء أم لم يشأ إلى مثاقف ذلك أن الترجمان يبحث عن المشابهة والتماثل، مرتهناً لفن البراعة في تحقيق المطابقة على استحالتها حتى قاموسياً بينما يكون الثاني منهماً بابتكار ذلك الشبيه، لكن غير المتطابق إلى درجة الاختلاف الذي يحول الشبيه إلى نظير. في هذه العملية لابد من انحياز المترجم الناقل عمن يضخ الحياة في النصوص لدى نقلها من ثقافة لأخرى، فأرسطو ما كان له أن يدوم ويستمر في البقاء لو لم يتكلم العربية، فاللاتينية فالألمانية والأهم ما كان له أن يحيا استقبالاً أو يبعث لو لم يتكلم لغة أخرى لأنه لو وجد ترجمته النهائية لانتهى. |
|