|
ساخرة لقد كان الأستاذ لطفي كروما نموذجاً فريداً بين المدرسين، وبالرغم من تركه التدريس منذ زمن طويل، ووفاته منذ أكثر من عقدين من الزمن، إلا أن ذكرياته وقصصه وشخصيته ما زالت تأخذ حيزاً في ذاكرة طلابه وزملائه، يرددونها في كثير من المناسبات. وبالرغم من أنه كان يمتلك مجموعة من الميزات التي يمكن أن تجعل منه شخصية أرستقراطية تنتمي إلى النخبة المثقفة آنذاك، إلا أنه كان شعبياً إلى أبعد الحدود، غير آبه بهندامه ومظهره الخارجي، إضافة إلى سلوكه العفوي الذي يرفض تلك المظاهر. كان الأستاذ كروما، أبو بسام يجيد اللغتين، الفرنسية والإنكليزية، وهو خريج الجامعة الأميركية، قسم العلوم ببيروت، إضافة إلى تمكنه الشديد من اللغة العربية، وقدرته على نظم الشعر بسهولة وسرعة وغزارة يحسده عليها الشعراء، فقد كان يكفي أن تطلب منه موضوعاً محدداً كي يملأ الورقة بالقصيدة المطلوبة دون أن يستغرق نظمها أكثر من وقت كتابتها، حتى لتخال أنه يكتب شيئاً يحفظه عن ظهر قلب دون أي تفكير. مع سرعة بديهته وظرافة دعابته والجدية التي تبدو أشبه بالدعابة، فإن طلابه يروون عنه كثيراً من الذكريات والقصص التي لا تخلو من طرافة محببة، وكان يحفظ أسماء جميع طلابه، لكنه، وهذه واحدة من طرائفه، فحين يضبط أحدهم في حالة شغب أو عدم انتباه، كان يفتح دفتر العلامات ويناديه باسمه، فلان الفلاني، أعطني اسمك. فيبتسم الطلاب، إذ ما حاجته لطلب الاسم، وهو يعرفه ويناديه به؟ وحتى مع ولديه بسام وعزام، وكانا من طلابه في المرحلة الثانوية، كان يقول لأحدهما حين يطلب منه أمراً ما: ما اسمك يا بني، وكأن هذا الطالب ليس ابنه. كانت لديه عادة جرى عليها مع ولديه، فهو في الصف أستاذ لهما، وفي البيت أب لا علاقة له بذاك الأستاذ، ولا يجوز الخلط بين الحالين، ولعل إحدى أطرف التركيبات عنه، لأنها طرفة وليست حقيقية، وإن لم تكن لتخرج عن مناخ شخصية الأستاذ كروما، إلا أنها تركيبة ناجحة من أحد طلابه، ومفادها أنه في بداية العام الدراسي طلب من طلابه بعض مستلزمات مادة العلوم، وكان ابنه واحداً من أولئك الطلاب، وفي الدرس التالي في أثناء تفقده لما طلب، توقف عند ابنه الذي قال له: أستاذ، والدي لم يعطني ثمن الأدوات. فما كان من الأستاذ الأب إلا أن صرخ قائلاً: قل لأبيك الفهيم إنك طالب، وتحتاج إلى هذه الأدوات والدفاتر، لأنني سأعاقبك في الدرس القادم إن لم تحضر المطلوب. في البيت قال الطالب الابن لأبيه الأستاذ: بابا. أستاذ العلوم طلب منا بعض المواد، وهددني بالعقوبة إن لم أحضرها في الدرس القادم، فما كان من الأب الأستاذ إلا أن صرخ بوجهه: أستاذك الذكي ألا يعرف أن أباك موظف؟ قل له أن ينتظر قبض الراتب في أول الشهر. لقد كان المرحوم الأستاذ لطفي كروما يمتلك من الذكاء والمعرفة واللغات والثقافة ما يمكنه من أن يترك آثاراً مميزة، كالتأليف والترجمة، لكنه لم يترك رحمه الله سوى ذكريات طريفة وجميلة لشخصية حمصية نادرة تمتلك الكثير من الظرف والجمال المحببين. |
|