تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


رمضان أيها الشهر الفضيل.. أحن إليك

ثقافة
الخميس 11-8-2011
مهاة فرح الخوري

مع بزوغ هلال شهر رمضان شهر العطاء والسلام، الشهر المبارك أجدني أحن وأتذكر والذكريات صدى السنين الحالي هي ذي التقاليد والاعراف تطفو على الرؤى،

على الذهن والقلب حاملة معها الفرائض الدينية الصلاة والسجود والتعبد لله وللنبي الكريم (ص) لرسالته الدينية والإنسانية التي يتعذر فهمها على بعض من يحرف أويشوه عن قصد معاذ الله.. أو لضعف في القراءة.. أو الفهم..‏

لغة القرآن الكريم والأحاديث الشريفة ليست في متناول كل قارئ أو كل مؤمن واللغة هذه مرجع وشهادة وهي الصحيح والبليغ وأنا أحن إليك يا رمضان أحن إلى الطفولة، إلى دمشق القديمة التي بهرت العالم وأصبحت مقصداً لكل زائر عربي وأجنبي للرحالة، للمؤرخين، للمصورين بهرت الزوار بجوامعها وكنائسها، الجامع الاموي الذي صدرت عنه كتابات غنية ومنها على سبيل المثال الجامع الاموي في دمشق لمؤلفه الدكتور طلال عقيلي باللغتين العربية والانكليزية، وفي مطلع عام2011 صدر عن الجامع الاموي الكبير مؤلف للمؤرخ البحاثة الفرنسي جيراردي جورج بثلاث لغات معتمداً على مصادر موثقة ومنها مؤلف العقيلي، أما مقام السيدة زينب والجامع الكبير العائد له فإنه مقصد العالم من مؤمنين ومؤرخين ولايفوتني أن أذكر بكنيسة حنانيا الرسول القديس بولس وأوابد لكل دين وملة لاتعد لا تحصى وهي رسائل سلام لكل مؤمن ولغير المؤمنين إن هي إلا رايات لعيش مشترك محبة وسلام بين جميع الفئات.‏

ما ذكرت وما لم أذكر كنيسة المريمية تتصالب مع مئذنة قديمة وكنيسة النياح. ومقام كوكب وغيرها وغيرها، رايات لقاء محبة ووئام وسلام بين افراد الشعب بل بين الشعوب، والزوار - الغرباء أياً كانت انتماءاتهم..‏

أعود إلى حنيني لرمضان فأحن إلى أسفل التلة، أحن إلى القيمرية إلى حارة الآسية إلى الجوار إلى الازقة والحارات الضيقة التي أبت أن تستقبل السيارة بينما رحبت بعربة الخيل، هناك تتصالب البيوت وتلتقي القلوب جناحاك تخيم على انتماءات اشبه ما يكون بلوحة فسيفسائية متجانسة تتدفق محبة وطمأنينة كلنا للوطن.‏

حنيني إلى رمضان، رمضان القيمرية ينقلني إلى صوت المؤذن الرخيم الذي لم تكن تشوبه مكبرات الصوت التي تعلو من الجهات الاربع فتبث اصواتاً مغايرة للأصلية، إنه تجويد ينفذ إلى القلب حنيني إلى رمضان يجعلني أقف معجبة مدهوشة بأبوابك السبعة أو الثمانية.. المهللة لكل ضيف وزائر.. لدمشق الأصالة ها أنا ذي أعود مع رمضان، مع الشهر الكريم الى طفولتي إلى يفاعتي والى شبابي.. أعيش مع عائلات وجوار وددتها أحببتها، أين انتم اليوم، الخيمي، المحايري بيازيد كحالة، الصواف، الغزي، النعماني، القباني، المهايني، المرتضى، الحلباوي.‏

جسور لم تنقطع ولن.. هي في أعماق القلب وفي الفكر دائما وأبداً، هنا في القيمرية وفي غيرها من حارات دمشق القديمة بزغت اشعاعات العلم والمعرفة والاخلاق.‏

طالما نحن نتنفس هنا عاشت مدارس خرجت على مدى قرن ونصف ونيف اجيالاً من المتعلمين، من المثقفين، مدارس متنوعة أغنت البلد بجماهير من الشباب والشابات يتقنون لغتهم الأم العربية أولا ولغات حية عالمية تداولتها الألسن إضافة إلى المواد العلمية والادبية التي أتاحت لشبابنا فرصة متابعة علومهم ودراساتهم في أرقى جامعات الغرب والشرق..‏

في الحي القديم ها هو الحارس.. أبو عدنان ما ديانته؟ ما انتماؤه؟ سؤال لم يطرح أبداً.. لايزال في مخيلتي جالساً على كرسي صغير من القش ولامسندله يدفئ يديه المحمرتين المثلجتين فوق مجمر منقل تنبعث منه حرارة الفحم الخشبي الذي كان سكان الحي يزودونه به إضافة إلى غذاء ضروري وإبريق الشاي.. فهو صديق للجميع كباراً وصغاراً أطفالاً وشيوخاً.. إنه موضع ثقة، لماذا غاب هذا الحارس عن احيائنا ؟ بالله هل نأمل بعودته والأمان بين يديه؟ أن أنسى، لاأنسى قوموا ياصائمين وها نحن نستيقظ على طرق الباب من قبل المسحر و هو يستقبل من جميع العائلات ولا يعرف ولايريد ان يتعرف على الصائم أو غير الصائم.. هما سيان لافرق بينهما..‏

لم تكن والدتي أو والدي اذ يفتح احدهما باب البيت الا ان يرحب بالمسحر والبشاشة على وجههما وإكرام المسحر واجب على كل فرد.‏

إنها ومضات لاتزال حاضرة في الذهن، انها ذكرى والذكرى تنفع المؤمنين.‏

أجدني الآن أغرف من معين الذكرى، شهادات لشخصيات عالمية سجلتها بالفكر والقلم:‏

الجنرال بيير روندو وكان في الواحدة والتسعين من عمره يقول: حين كنت شاباً رحت أبحث في كتابات الماضي عن مدخل ما في الشرق في القرن العشرين.. هكذاِ اكتشفت بفرح كبير صفة تزين بها سلطان عثماني، سلطان دمشق عطر الجنة ويقول: دمشق مدينة لاتخاف من المستقبل شيئا، جذورها أبدية خالدة، سماتها الكلاسيكية ستبقى ووجهها الحالي يرسم خطوط المستقبل، إن أبناء هذه المدينة الماجدة سيقدرون على تمييز السمات التي عليهم أن يثبتوها ويعمقوها بهدف تهيئة مستقبل يحقق ازدهاراً سعيداً وومضة مجيدة..‏

أما الشاعر الكاتب الفرنسي الشهير فقال:‏

دمشق كتبت بإصبع الله على الارض.‏

أما مارك توين فقال:‏

شاهدت دمشق، قرى تتطور وتتحول إلى مدن تدهش العالم بعظمتها، ثم عاشت لتراها تُخرب وتُهجر، شاهدت الامبراطورية الاسرائيلية وهي ترتفع، ثم شاهدتها وهي تفنى.. شاهدت اليونان وروما تندثران.. دمشق شهدت ما حدث على وجه الأرض، مازالت تعيش.. لقد نظرت إلى رفات ألوف الامبراطوريات وسوف تنظر إلى قبور ألوف أخرى قبل أن تموت.. إن دمشق القديمة هي بحق المدينة الخالدة.‏

وأحب الآن ان أذكر حدثاً وموقفاً من السيدة هيلينا كوبان وهي كاتبة صحفية تكتب مقالات في جريدة الحياة وايضا في christian sciene وmonitor.‏

كان لها موقف واضح ضد الوجود الاميركي في العراق.‏

وفي زيارتها لسورية في 10 كانون الثاني عام 2002 كتبت رسالة الكترونية عن الطوائف المسيحية السورية القديمة ما أثار فضول بعض الأميركيين لمعرفة ما إذا كان صحيحاًَ وجود هذه الفئة في سورية فنشرت بسرعة كبيرة رسالة عن بولس الرسول وفقدانه لبصره والشارع المستقيم واعتناق بعض الأوائل ممن اعتنقوا المسيحية بتأثير بولس الرسول.‏

وأنقل للقارئ بعض ما كتبت لي وهو برأيي بيت القصيد لمقالي هذا: إذاً يا عزيزتي احتفالنا الرائع معاً بالافطار والسحور يبدو لي كأنه حلم، علي ان اكتب الكثير عن رحلتي وهذا ماسيجعلها حية أكثر بالنسبة ليس وآمل ان يكون كذلك أيضا لقرائي لفترة أطول..‏

واستمرت هذه الصديقة في اطلاع القارئ الاميركي عن الحياة المثالية المشتركة بين جميع الديانات والطوائف في سورية الحبيبة.. وكان لكتاباتها وقع كبير على القارئ الاميركي الواعي والمثقف، وتوقع اللوم والعتب علي الاعلام الاميركي لإخفاء الواقع والحقيقة في سورية.‏

في هذا الشهر الفضيل شهر الخير والبركة أتمنى لكل اصدقائي ورفاقي وعائلتي دوام الطمأنينة وكل عام وأنتم وسورية بألف خير.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية