تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أيها الحزين ...

آراء
الخميس 11-8-2011
حنان درويش

يأتيني من عطفة العمر، من دهشة الأيام . أبحث بين فيضه عن حضن للأمان، عن مهد ألوذ به، أنا الهاربة دوماً إلى دروب غير متشابهة، وإلى أماكن فيها اختلاف.

يزورني خلسة بتلك العباءة البهيجة المهاجرة إلى دمي، وذلك النسغ الطالع حباً وزهراً ودفئاً، تسقط منه ألوان الشتاء، ويرحل صقيعه إلى كهوف توصد عليه الأبواب. هو الوقت المقتطع من الكمال والنضج والصحو والتوثب والانطلاقة.‏‏

وأنا امرأة لا تتواطأ إلا مع الآفاق، ولا تقطف باقتها الأليفة إلا من الذرا ، ولا تقتنع بما دون المدى. أسير برفقة النهر الجميل، أسامره، أسايره، أبثه نجواي، أحدثه عما يجول بخاطري.‏‏

أسأله عن سبب غصاته وأحزانه:‏‏

- مابك .. ؟! .. أخبرني.‏‏

ويصلني جوابه شجياً، مثقلاً بالملوحة، متعثراً بالدمع السخي، مشيراً إلى مياهه التي غدت معكرة بعد صفاء، ملوثة بعد نقاء، هو الذي تغزل به الشعراء، وأنشدوا من أجل عينيه وعيني ضفافه الحسان أجمل القصائد.‏‏

طيبت خاطر النهر الصديق . هدأت روعه وهواجسه. وخففت وطأة الهم عنه. وأنا أتلفت إلى أشجار اللوز تحدب فوق صدره ريانة بخجل محبب، مزدانة بثمر أينع كأنه الثريات تشع، وحولها العطر يسبح في مواكب ألق، تتبختر كهودج عروس.. وقتها كان النهار ملكي، وكنت أسيرته.. تتنزه في فمي أغنية فيروزية: «ضحك اللوز، خلص اللوز، وحبيبي ما لفي».‏‏

ذاب طعم الأغنية على شرفات القلب، وهو ينقلني إلى عالم من الحلول البكر بكل الأولويات الجميلة، فطاب الوصال، وطاب التناجي، وحلت المصالحة مع جميع المتناقضات والإشكالات والخصومات وجميع الأصابع والرؤى والظلال، وجميع الفصول والأمكنة والأيام، وغدوت مسكونة بالإشراق من رأسي إلى قدمي. هل تراك تسمعني أيها المتدفق الحزين. أيها النهر الصادق، إذا وصلتك تراتيلي فاستذكرها بكل اهتمام ، سأتركها وديعة لديك وأمضي. لا تخف. لن أطيل الغياب، لدي عمل مؤقت أنجزه ثم أعود .‏‏

قطعت الشارع ، غيبني المبنى المقابل لحديقة بديعة، بينما قلبي لايزال يخفق بتوق متنام للإياب السريع، ومن سواي تحظى بصحبة سيد الأنس والألفة والحكايا والأغاني، وسيد البوح الندي.‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية