تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


نافذة.. يا أخي.. هل يبس السنديان؟!

آراء
الخميس11-8-2011
سليم عبود

-1-

يا أخي... الطريق بيننا مغلق بحجارة وسكاكين ورصاص وشتائم وشبان صغار غابت من عيونهم حدائق الهمس والهدوء والحب الطيب الرائع.‏‏

ماذا حدث؟!‏‏

الطريق بين حارتينا لم يغلق من قبل، لم يخطر في بالي أنه سيغلق ذات يوم، وأعتقد جازماً.. أنه لم يخطر في بالك أيضاً أنه سيغلق، فليس ثمة سبب لإغلاقه، وليس ثمة سبب لنكون غير إخوة، فنحن نشرب الماء نفسه، ونتنفس الهواء نفسه، ونقرأ القرآن نفسه ونذهب إلى الصلاة في وقت واحد ولنا قبلة واحدة.. واليوم نصوم ونفطر على نداء واحد وبهدف واحد تحرير النفس من الحقد ومعاً نذهب للحرب ونعود من الحرب معاً، ونمارس طقوسنا الاجتماعية والوطنية معاً وظروفنا الاجتماعية والاقتصادية متشابهة وعندما نلتقي نتحدث عن الوطن وعن مئات الروابط التي تربطنا بالوطن.‏‏

ماذا حدث فجأة؟!‏‏

-2-‏‏

البارحة رأيت شباباً صغاراً وكباراً على حاجز يفصل بين حارتينا.‏‏

كان ابنك بينهم وكان ابني وآخرون معه في مواجهتهم وكان هناك سباب وكلام خطير ومقيت لم أسمعه من قبل،‏‏

من أين جاء كل هذا الكلام المقيت في لحظة، من جاء به ولمصلحة من؟!..‏‏

ثمة شياطين تعوي بكلام وشعارات وأحقاد وصيحات للدم.. بكى قلبي، وأنا أتأمل المشهد.‏‏

-3-‏‏

يا صديقي، تتملكني حالة من القلق المخيف...‏‏

قلق على مستقبل تلك العلاقة العميقة بيننا، قلق على مستقبل العلاقة بين ولدينا، قلق على مستقبل هذا الوطن المقاوم الصامد، بت أخشى نزيف الدم الذي بدأ يستمر ويكبر مسلسل القتل، وتصبح حياة مدينتنا جحيماً ووطنا الآمن يصبح بركة من دم وحقد وثأر ولعن مقيت، لماذا يحدث كل هذا؟!‏‏

لماذا يحدث؟ قل لي بربك، بربنا الواحد لماذا يحدث كل هذا والرابط بيننا وطن وتاريخ وجغرافيا ودين ومشتركات كثيرة وأنا وأنت ندرك أن العدو يريد بنا وبمستقبلنا وبأمتنا وبديننا شراً.‏‏

لماذا ندع الشيطان يزرع في قلوبنا الحقد وشهوة الدم وحمل بنادق الموت وسكاكين القتل؟! من الرابح إن قتلتك أو قتلتني، الدين، الوطن؟!‏‏

-4-‏‏

يا صديقي..‏‏

أذكر.. كنت أنا القادم من الضواحي وكنت أنت الآتي من قلب المدينة والتقينا على مقعد واحد في المدرسة الابتدائية زغب الحواصل نفتح عيوننا وعقولنا باندهاش على كل ما حولنا، كانت المدرسة كل العالم الذي نعرفه، كنا متشابهين تماماً في العمر واللغة والطول وفي ارتداء المريول المدرسي، وكان كل منا يعلق إلى كتفه حقيبة من قماش رخيص خاطتها له والدته.‏‏

في حصة الديانة كنا نقرأ السور نفسها وننطق بالشهادة نفسها، كنا متشابهين في كل شيء إلا في اللهجة.. كان حرف القاف ينتصب بين شفتي مضخماً وينساب عندك حاداً كالهمزة.‏‏

بعض التلاميذ راحوا ينادونني «فلاح» كنت أتضايق من هذا التوصيف، ارتفع صوتك في وجوههم: اسكتوا. قلت لي: والدي فلاح كأبيك، ربما كنت تتعاطف معي، هذا الموقف منك أضاف إلى نقاط التشابه بيننا نقطة جديدة، تبادلنا الزيارات، كل منا أكل وشرب من بيت الآخر، وكل منا احتضنته والدة الآخر وقبلته، وقامت زيارات بين أهلينا، كل منا كان فرحاً بهذه العلاقة التي باتت قوية كأشجار السنديان.‏‏

ماذا حدث فجأة، هل يبس السنديان؟!‏‏

-5-‏‏

كبرنا... أنت توجهت للعمل في سوق التجار، وأنا ذهبت إلى عمل وظيفي، بقينا نلتقي بموعد أو مصادفة، نتبادل الزيارات العائلية، وبعض أولادنا حملوا أسماء واحدة.‏‏

كنا نتحاور كلما التقينا في قضايا كثيرة،كنا متفقين على أن الله واحد، والإسلام واحد ولا وجود لإسلام معتدل وإسلام متطرف فالإسلام في جوهره واحد وفي قيمة واحد وفي رؤياه للحياة واحد، وقضية التطرف والاعتدال قضايا طارئة، خلقتها قراءات خاطئة للنص، فالغرب أدخل إلى حياتنا العربية والإسلامية مصطلحات كثيرة ليقيم بين المسلمين التفرقة والعداوة والبغضاء والكراهية والانشقاق، وثقافة القتل... وكنا متفقين على أن الغرب الصهيوني هو الذي يحدد اليوم المسلم المتطرف والمسلم الإرهابي والمسلم المعتدل ويوصف الأقلية في هذا البلد والأكثرية في ذاك، يوم جاء الأميركيون إلى بغداد رأيت الدمعة في عينيك، قلت لي كل العواصم العربية في خطر؟ وسألت: لماذا لا يتوحد العرب والمسلمون في وجه الخطر كنت أعرف وكنت أنت تعرف أننا لن نجد جواباً لهذا السؤال لأن إجابته ماتت منذ سايكس بيكو وتعمق الشعور بالهزيمة لدى الأمة بعد كامب ديفيد أكثر مما تعمق بعد النكبة عام 1948.‏‏

-6-‏‏

يا أخي ورفيق عمري وصديقي وابن بلدي ووطني.. في هذا المساء دعنا نلتق.. في الجامع أو في مدرستنا القديمة أو على الشاطئ أو في بيتنا أو في بيتكم لنؤكد على مشتركات يرسمها التاريخ والجغرافيا ولنرفض معاً ما يجري ونغلق الأبواب في وجه الأصوات الزاحفة إلينا كالأفاعي لقتلنا معاً.. فهل تسمعني في زحمة هذا الرصاص؟!‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية