تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


سعيد عقل..شاعر الجمال

ثقافة
السبت 13-8-2011
هاني الخير

الشاعر سعيد عقل هو أحد أكبر قامات الشعر في دنيا العرب، وهو حالة أدبية وابداعية فذة لا مثيل لها ويصعب تكرارها، ولا مهرب من الاعتراف به في عصرنا الحديث، كنحات لغوي من الطراز الرفيع النادر،

وفي هذا الشأن كان النقاد القدامى يطلقون على الشعراء المغالين في نحت القصائد وصقلها وتهذيبها «عبيد الشعر»، الذين يمثلهم زهير بن أبي سلمى في حولياته الشهيرة.‏

ومما زاد في شهرته ونجوميته وذيوع صيته، أن الفنانة المرموقة السيدة فيروز، غنت له العديد من قصائده الرائعة، شأنه شأن نزار قباني، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: سائليني يا شآم، غنيت مكة، مرّ بي، أمي ياملاكي، فضلاً عن قصيدة رقيقة أنشدها عبد الحليم حافظ:‏

سمراء يا حلم الطفولة‏

وتمنع الشفة البخيلة‏

لا تقربي مني وظلي‏

فكرة لغدي جميلة‏

قلبي ملي بالفراغ‏

الحلو، فاجتنبي دخوله‏

وهو في الوقت ذاته من أكثر الشعراء العرب إثارة للجدل الصاخب والمشاكسة، بسبب مواقفه النزقة، وربما الطائشة، وتصريحاته الغريبة التي تثير مشاعر الرأي العام، الذي لا يروق له السخرية من العروبة والتاريخ العربي، دون أن يلتمس له العذر، كأن يقول: إن هذه الأقوال هي مجرد شطحات غير مسؤولة، ونسجل بإيجاز بعض هذه الأقوال الغريبة المحيرة: دعوته إلى اعتماد الحرف اللاتيني واستبداله بالحرف العربي، وأن اللغة العربية الفصحى، التي نظم فيها أروع شعره، هي لغة ميتة:‏

وجعت صفصافة من حسنها‏

وعرى أغصانها الخضر سقام‏

فحسرت الشعر عن جبهتها‏

أسأل الحسن أفي الأرض أقام ؟‏

ومن المؤكد في هذا المقام، أن أعظم وأروع ما كتبه سعيد عقل من قصائد، كان باللغة الفصحى التي يعاديها ظاهرياً، لكنها تحتل أعماقه مبدعاً في اللاشعور:‏

فيا يدي، شدي على أضلعي‏

أخشى على أريجها يهجر‏

شدي، فحيث اتكأت مرة‏

يظل مثل الصحو أو أنضر‏

ويؤكد الصحفي الأديب صقر أبو فخر في دراسة له نشرها في مجلة (الشاهد أيار 1998)، أن سعيد عقل ليس فينيقيا كما يزعم، فجذوره العائلية تعود إلى منطقة حوران في جنوب سورية وأصل أسرته من (بني الحاج نعمة)، التي نزحت مع غيرها من العائلات إلى مدينة زحلة منذ أكثر من قرنين، ما يظهر أنه من أصول عربية عريقة مؤكدة، هذا إذا كان ثمة فرق بين السوريين والفينيقيين، ولسنا هنا في صدد الحديث عن هذا الجانب التاريخي الموغل بالقدم.‏

وهو في موقفه من الجمال في شتى صوره وألوانه، يذكرنا بالشعراء الفرنسيين «البرناسيين»، الذين استغرقتهم الغنائية وأناقة الألفاظ وفي هذا الشعر يقول سعيد عقل: «الوردة لا تحس أنها ذات غنى، إنها تعطي البشر متعة، لا تحس أنها وردة، والمرأة في نظر عاشقها،لا تحس السعادة التي تمنحها بمجرد وجودها بينهم، لا تحس أنها امرأة، وروح المناجاة أنها لو أحست ذلك لشاركت الناس عبادة نفسها». ويترجم سعيد عقل هذه النظرية شعراً، على حد تعبير الدكتور جورج زكي الحاج مؤلف كتاب الفرح في شعر سعيد عقل، فيقول:‏

لقد قلت‏

لكن هل درت أنه لها كلامي ؟‏

متى تدري الأزاهر بالعطر‏

ومما يسترعي الانتباه في شعره، أن هاجسه خلق الأشياء الجميلة من خلال أناقة اللغة ورشاقة المفردات، وبذلك أحدث ثورة واعية في الشعر العربي المعاصر، وغنى للفرح وللمسرات وللحياة البهيجة الرغيدة، على حد تعبير الناقد جورج غريب مؤلف كتاب سعيد عقل والغزل الخلاق:‏

الأرض بعدك يقظة‏

من هجعة الحلم الثقيلة،‏

طربت، كأن سنى ابتسامك‏

كوة الأمل الضئيلة،‏

سمراء، ظلي لذةً‏

بين اللذائذ مستحيلة‏

وفي جفني ذهوله‏

ظلي الغد المنشود‏

يسبقنا الممات إليه غيله‏

إن سعيد عقل من الذين خدموا اللغة العربية خدمة جلى، انتشلها من بحر الركود والجمود الذي غرقت فيه طوال قرون عديده، لأنه استطاع أن يعيد للكلمة الشعرية نضارتها وألقها، حتى غدت الكلمة بين يديه عجيناً يشكلها كما يشاء، يتلاعب بها، يصفها حيث يريد، يقدمها ويؤخرها، يزيدها وينقصها، وإذا به يثبتها أنها لغة التخاطب مع السماء، كما يرى الناقد جورج الحاج، ولا غرابة في ذلك فقد أحاط بأسرار العربية وشواردها، وكذلك كان متمكناً من علوم البلاغة.‏

وتتمة لهذه الإضاءة.. فإننا ننشر بعض الأسئلة التي وجهها الأديب الصحفي إسماعيل الفقيه إلى سعيد عقل، ونشرت أجوبتها في مجلة (دبي) الثقافية الشهرية، من أجل الغوص في أجوائه النفسية وتكوينه الثقافي، وهواجسه الخفية:‏

- حبذا لو عرفنا بعض الشخصيات التي تعجبك؟‏

-- الإمام علي، رضي الله عنه، ودانتي، ونوفالس، وبول فاليري، الذين أغنوا التاريخ بأفكارهم العظيمة.‏

- من الشخصيات التي لا تعجبك؟‏

-- افلاطون، وسقراط، لأنني أعرف نقاط ضعفهما، وأنا الوحيد في هذا العالم الذي كشف ضعفهما الفكري.‏

- ماذا أعطاك الله عز وجل؟‏

-- يكفي أنني مازلت في صحة جيدة، وأنا على مشارف نهاية قرن من الحياة الطافحة بالجمال والشعر.‏

- ما سر صمودك الجسدي؟‏

-- لاأشرب المنبهات ولاالكحول على أنواعها، أشرب الماء فقط بغزارة. وأتناول جميع الأطعمة.‏

- ماذا يعني اللون الأحمر في حياتك، باعتبارك ترتدي سترة حمراء، وربطة العنق دائماً حمراء؟‏

-- اللون الأحمر لون التاريخ.. يمنحني القوة والحيوية.‏

- أين المرأة في حياتك؟‏

-- المرأة الجميلة هي التي تحرك حياتي..ولكن الجمال لا ينحصر في الشكل، طهارة المرأة هو جمالها.‏

- ماذا عن الحزن في حياتك؟‏

-- لا مكان للحزن في حياتي، لأن الحياة بالنسبة إلي هي فرح ومحبة وجمال، ولأني عشت كل هذا ووجدت نفسي في واحة الحرية، وجسدي في مناخ جميل وبهي.‏

- هل مازالت تكتب ؟‏

-- أنا أكتب بشكل دائم، الكتابة بالنسبة إلي هي فرح الحياة واستمرارية صافية في مساحة العمر.‏

- يقولون عنك إنك لاتنشر دون مقابل مادي؟‏

-- أنا لا أنشر كلمة واحدة مجاناً.. منذ بداية نشر كتبي وأنا أقبض ثمن كل ما أكتبه، وأنا اليوم في معركة أطالب فيها الأدباء بألا ينشروا في المجلات والجرائد، إلا بعد أن يدفعوا لهم، وبالتأكيد سيكون النجاح نتيجة حتمية.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية