تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أوروبا.. دور جديد في المنطقة العربية

دراسات
السبت 13-8-2011
عبد الحليم سعود

في حركة استباقية لسعي الفلسطينيين والعرب للاستحصال على اعتراف دولي بدولة فلسطين على حدود عام 1967 يسعى الاتحاد الأوروبي لترتيب أوراق اعتماده كصانع للسلام في الشرق الأوسط

بدلا من واشنطن، لكن الانقسامات بين دوله بشأن الخطط العربية لطلب اعتراف الأمم المتحدة بهذه الدولة فرملت جهوده في هذا الصدد، فالشلل الذي تمر به عملية التفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين شجعت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كاترين اشتون على محاولة لعب دور قيادي اكبر في ظل غياب وتراجع الدور الأميركي.‏

وفي هذا الإطار تسعى اشتون لإعادة تنشيط اللجنة الرباعية الخاصة بعملية السلام بالشرق الأوسط كهيئة تفاوضية وتؤكد على تمتع الاتحاد الأوروبي بمرونة أكبر من الوسطاء الأميركيين عندما يتعلق الأمر بإقناع الإسرائيليين باستئناف المفاوضات.‏

ورغم أن نفوذ أوروبا في المنطقة محدود مقابل تفوق الدعم الاقتصادي والعسكري الذي تقدمه واشنطن لإسرائيل بشدة على المعونات التي تقدمها للفلسطينيين فإن اشتون تهدف على الأمد الطويل لوضع أوروبا في موقع الوسيط الأكثر قدرة على التكيف والتأثير.‏

ويبدو أن تحدي اشتون الكبير هو إقناع اسرائيل بأن تأخذ المساعي الأوروبية على محمل الجد كوسيط رئيسي. لكن مراقبين كثيرين يقولون إن التوقعات ضعيفة لأن يكون هذا هو الوقت الأمثل لمسعى من جانب الاتحاد الأوروبي.‏

ويسود اعتقاد كبير بأن الدور الذي سيلعبه الاتحاد الأوروبي في المرحلة القادمة سيبقى دوراً ثانوياً باعتبار أن اللاعبين الرئيسيين في هذه العملية يميلان أكثر لخطب ود الأميركيين للقيام بهذه الوساطة.‏

ولكن في المقابل ستلعب خيبة الأمل التي أصيب بها الفلسطينيون خلال جولات تفاوض عديدة-جراء الدور الأميركي المنحاز لجانب إسرائيل- لصالح أوروبا التي ستجد نفسها مضطرة لأن تثبت للفلسطينيين أنها ليست كالولايات المتحدة التي خذلتهم مراراً وتكراراً.‏

وسيتحتم على اشتون أيضاً في ضوء ذلك إقناع اسرائيل بأن الاتحاد الأوروبي وسيط متوازن وخاصة ان الإسرائيليين ينظرون إلى (التعاطف) الذي يبديه بعض الأوروبيين مع الفلسطينيين كحجر عثرة في وجه طموحاتهم الاستيطانية وعقبة في طريق (السلام) الذي يتخيلونه.‏

فأوروبا هي أكبر مانح للمساعدات للفلسطينيين سواء عن طريق مؤسسات الاتحاد الأوروبي أو الدول حيث قدمت نحو مليار يورو سنوياً(1،41 مليار دولار) بين عامي 2007 و 2010 وتشارك عن كثب في جهود بناء السلطة الفلسطينية في رام الله، في الوقت الذي تشارك فيه على قدم المساواة في حصار وتجويع الفلسطينيين في قطاع غزة إرضاء لنزوات وغطرسة إسرائيل.‏

في المقابل تبقى الولايات المتحدة المانح الأكبر لإسرائيل التي تتلقى ما قيمته نحو ثلاثة مليارات دولار سنوياً من المعونات العسكرية والمعونات الأخرى والذي يشكل ما مجموعه نحو 100 مليار دولار في نحو أربعة عقود. ولكن المعونات للفلسطينيين قد تتوقف مرة واحدة إذا مضت السلطة الفلسطينية قدما في خطتها لطلب تصويت دولي على إعلان دولة فلسطينية في الاجتماع المقبل للجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر القادم.‏

ومن شأن هذه الخطة التي تعارضها إسرائيل وواشنطن بقوة وتعملان منذ أشهر على إفشالها أن تنسف المساعي الأوروبية لبدء محادثات سلام جديدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وقد تكشف معها عن هوة الاختلافات السياسية بين دول الاتحاد الأوروبي إذ لايزال الموقف الأوروبي ضبابياً حول هذا الموضوع وإن كان الكثير من المراقبين يرجحون إجماعاً أوروبياً لمعارضة الخطة في الأمم المتحدة بسبب الضغوط الأميركية والإسرائيلية، حيث من غير المتوقع أن تنقسم دول الاتحاد الأوروبي الـ 27 إلى معسكرين حيال التصويت لمصلحة إعلان دولة فلسطين إذ لم يسبق أن خيب الأوروبيون الآمال الصهيونية في المحافل الدولية، بسبب عجزهم عن شق عصا الطاعة للأميركيين..‏

وللتذكير فقط فقد انتهى آخر اجتماع للجنة الرباعية والذي عقد في واشنطن الشهر الماضي دون تحقيق أي انفراجة في موضوع الدعوة لمفاوضات جديدة يرعاها الاتحاد الأوروبي وقال دبلوماسيون إن أعضاء اللجنة وهم الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا والأمم المتحدة فشلوا في جسر الهوة بين الجانبين.‏

وتركزت الاختلافات على ما إذا كان من الممكن تعريف اسرائيل كدولة «يهودية» بموجب الاتفاقات المستقبلية وعلى الموقف من المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة والعلاقات مع حركة حماس التي يضعها الغرب على قوائمه الخاصة بالإرهاب.‏

وفي كل الأحوال تبدو المدة الزمنية الفاصلة بين ما تحاول مسؤولة العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي القيام به واستحقاق أيلول القادم قصيرة للغاية، ومن غير المتوقع أن تستطيع أوروبا إحداث أي اختراق أو عقد أي مفاوضات ذات جدوى بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بانتظار ما ستؤول إليه الأمور خلال الدورة السادسة والستين للأمم المتحدة والتي يرجح أن تكون مشرعة أمام الكثير من المواقف الحاسمة والمحرجة والتي ستعيد تصويب بوصلة القضية الفلسطينية من جديد، وتحسم خيارات دول العالم من هذه القضية العادلة سلباً أم ايجاباً، وعلى أثرها يمكن للعرب أن يعيدوا قراءاة خياراتهم الاستراتيجية المستقبلية وبالتالي بناء علاقاتهم بصورة واقعية تنسجم مع مصالحهم وتحفظ لهم حقوقهم.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية