|
دراسات والعالم العربي بحيث لا يمكن نسيانه مهما كانت محاولات تطويع الوقت أو التكيف مع الوضع الجديد لأنه حدث سيبقى يعيش بيننا، ومع كل ذلك تحاول الحكومة السودانية معالجة الأزمة السياسية المفتعلة في دارفور منذ وقت ليس بالقصير وبالتالي فإن توقيع وثيقة سلام دارفور التي تمت في الدوحة في 17/تموز/2011م الماضي بصورتها النهائية بين الحكومة وحركة التحرير والعدالة تشكل إطاراً مهماً يرسم ملامح واقع جديد ، خرج من رحم واقع دارفور العائم على جملة من المشكلات التي تراكمت بفعل عوامل داخلية وأخرى خارجية زجت بنفسها في المشكل السوداني فزادته تعقيداً وليس انفراجاً ربما لعدم درايتها للمشكلة الدارفورية من حيث خلفياتها أو أسبابها والتي لم تكن سياسية في بادئ الأمر بقدر ما أنها كانت خلافات محدودة تطورت إلى نزاع بين قبائل قاطنة وأخرى رعوية في إقليم دارفور ما خلق واقعاً صعباً كان سبباً فيما يعرف حالياً بأزمة دارفور. إن هذا الواقع المأزوم وتداعياته السلبية في مناحي الحياة كافة لسكان دارفور سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وضع الحكومة السودانية أمام تحديات كبيرة داخلياً وخارجياً قفزت بدارفور من واجهة الاهتمامات المحلية إلى الدولية ومن شأن داخلي خاص إلى شأن عام مفتوح أمام القوى الدولية التي تضع مصالحها فوق كل الاعتبارات ومستعدة في سبيل تحقيقها استخدام الأساليب والوسائل كافة. ولهذا فإن الحكومة السودانية استقرأت المشهد في دارفور بجوانبه كافةوسعت بشكل جدي لاحتوائه على الرغم من الضغوطات الهائلة التي كانت تحاصرها من كل الاتجاهات ووضعت في مقدمة حساباتها أن أي اتفاقية بخصوص دارفور لن تكون نسخة مشابهة لاتفاقية جنوب السودان في نيفاشا وذلك بسبب الاختلاف الجوهري المرتبط أصلاً بالخلفيات التاريخية والجغرافية الطبيعية التي يتكون منها إقليم دارفور أرضاً وسكاناً، لذلك فإن ما حصل في الجنوب كان أمراً استثنائياً، وأن الفراق في معظم الحالات لم يكن له أن ينتهي إلا مع انفصال جنوب السودان الذي لخص حالة فراق فظ لا يمكن التنبؤ بمستقبله. ومهما يكن من أمر فإن الحكومة السودانية أكدت على أنها جادة لإنهاء أزمة دارفور وأن توقيعها لوثيقة سلام دارفور مع حركة التحرير والعدالة بخصوص الاتفاق على معالجة أهم القضايا الأساسية وفي مقدمتها أسباب وتداعيات النـزاع كاقتسام السلطة والثروة وملفات حقوق الإنسان واللجوء والنـزوح والتعويضات والعدالة والمصالحات بالإضافة إلى وضع الإقليم الإداري. وفي خطوة تؤكد حسن النيات من جانب الحكومة السودانية بادرت بإلقاء الاستفتاء الذي كان من المفترض إجراؤه في تموز الماضي بشأن التقسيم الإداري الجديد لإقليم دارفور المكون حالياً من ثلاثة ولايات وتأجيله لمدة عام بهدف إتاحة الفرص الحقيقية أمام وثيقة السلام حتى تتمكن الأطراف الأخرى من حسم خياراتها ومواقفها وفي مقدمة هذه الأطراف حركة العدل والمساواة برئاسة د. خليل إبراهيم وحركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور واللتان لم توقعا على وثيقة السلام لكونها لا تلبي تطلعات أهل دارفور كما يقولون وبغض النظر عن موقف الحركتين إلا أن عملية السلام ماضية في دارفور دون توقف وفي هذا الإطار حققت ولاية شمال دارفور اختراقاً إيجابياً مهماً بإقناع (تحالف البدو المسارات وجبهة الجيل المعاصر) المنشقتين عن حركة تحرير السودان وعبرتا عن استعدادهما الكامل بالتخلي عن العمل العسكري والدخول في شراكة سياسية مع سلطة الولاية، ويتفق هذا التحرك مع ما قاله د. نافع محمد نافع مساعد رئيس الجمهورية أن أبناء دارفور بدؤوا ينحازون إلى خيار السلام دون وسيط أو تفاوض وبالرغم من ذلك فإن الأبواب مشرعة لأي شخص يرغب في السلام على أساس وثيقة السلام وهذا القول يؤكد بأن (مصطلح السلام من الداخل) بات حقيقة خالدة وليست عابرة حيث بدأ يشعر سكان دارفور أنهم يلقون ما يستحقون من الاحترام لمطالبهم والأشياء التي تهمهم ما دفعهم للمشاركة في التدابير الجماعية لدعم الأمن والاستقرار ومشاريع التنمية وكلما زادت المؤسسات الرسمية والمدنية من احترامهم وتفهم حاجاتهم الأساسية كلما تحمسوا لتحقيق مصالحهم ما يعزز الثقة بينهم ويعيد اللحمة إلى النسيج الاجتماعي الفريد الذي يتميزون به أهل دارفور قاطعين الطريق أمام محاولات التدخل الأجنبي الذي كان سبباً من جملة الأسباب المعطلة للوصول إلى صيغة سلام مرض وشامل بين أطراف الصراع كافة ولذلك فإن تنامي الوعي السياسي لدى أهل دارفور لكافة المخططات المغرضة والمحرضة على استمرارية الصراع وتداعياته الإنسانية المؤلمة أصبحت مكشوفة لدى كل القوى الحية في دارفور التي استوعبت حجم المؤامرة التي كانت وراء إطالة أمد الأزمة، وبالتالي فإن وثيقة سلام دارفور تشكل الفرصة الأخيرة أمام كافة الأطراف الموقعة على الوثيقة وتلك التي امتنعت عن التوقيع خاصة أن أهل دارفور هم مركز الثقل في تشكيل الوعي الجماعي الذي دفع بمبدأ التضامن بين قبائل دارفور المختلفة وحفزّها في أن تتجاوز صراعاتها وعصبياتها الضيقة كافة دون وسيط خارجي لتحقيق المصالحة داخل المجتمع الدارفوري عبر جهود ذاتية نابعة من صميم المجتمع تلغي معها كل حالات التمايز المختلفة الذي يوجد في كل البلدان وتحويله من مصدر للفرقة والتباعد إلى أساس للغنى الثقافي والاجتماعي والانصهار الكامل في بوتقة السودان أرضاً وشعباً. وبالتالي فإن الوعي السياسي الذي تجسد في التوقيع على وثيقة سلام دارفور هو كفيل بإنهاء الأزمة وهو التعبير الأدق والأرقى في أن تكسب الحكومة السودانية من جهة والقوى السياسية الدارفورية من جهة أخرى المعركة السياسية والإنسانية التي طالما عانى منها السودان طوال السنوات الماضية من أجل أن ينطلق مسار تطور المجتمع والدولة في عناوينهما السياسية والاقتصادية والاجتماعية لبناء السودان الجديد. صحفي سوداني |
|