|
دراسات وبذلك بدأت صورة الكيان الصهيوني تتشكل بوضوح في المنطقة، وتتحرك بقوة في أرض فلسطين وفق استراتيجية دقيقة أهمها تطويع القوى العالمية لدعم مشروعها الصهيوني في المنطقة، ودفع أكبر كم من يهود العالم للهجرة إلى أرض فلسطين. واستطاع جهاز الموساد منذ تكونه أن يلعب دوراً خطيراً في ممارسة أبشع الجرائم في فلسطين، وإشعال نار الفتنة في المنطقة، حيث بدأ نشاطه الإرهابي بافتعال المؤامرات والدسائس وحوداث الاعتداء وسلسلة من عمليات الاغتيال والتخريب والتفجيرات الإرهابية في الدول المجاورة بواسطة شبكة عملاء الموساد التي تنتشر في أنحاء كثيرة من العالم، ثم تحول دوره بعد ذلك ليصبح اليد الطويلة التي تضرب بها «اسرائيل» في كل مكان وفق نظرية ناحوم غولدمان رئيس الرابطة اليهودية العالمية الذي قال في عام 1968 إنه «إذا أردنا لإسرائيل البقاء والاستقرار في الشرق الأوسط، فعلينا أن نعمل على أن «نفتت» الشعوب المحيطة بها إلى أقليات متناثرة وتجعلها في اضطراب دائم حتى تلعب اسرائيل من خلالها دوراً طليعياً» وقد أتقن جهاز الموساد هذه النظرية وحولها إلى عمليات إرهابية تجتاح المنطقة، وذلك عن طريق التغلغل في أحشاء الدول العربية خاصة بعد أن أدركت «اسرائيل» أنها غير قادرة على أن تمتد كمساحة جغرافية ففضلت أن تمتد كسلطة إرهابية وهذا الامتداد لايكون إلاّ بواسطة إرهاب الموساد. والتفسير الواضح لما يجري اليوم من عمليات إرهابية وعمليات تخريبية وتفجيرات تطال الأبرياء واغتيالات غامضة ومجهولة المصدر على الساحة العراقية، وفي سورية ولبنان وبعض الدول العربية يؤكد تماماً دقة هذه الاستراتيجية التي تقوم بها «اسرائيل» في المنطقة، ويد الموساد تتضح تماماً في كل عملية تفجير أو اغتيال أو تجسس أو فتنة طائفية تحدث في الدول العربية، والمخطط الذي يجري تنفيذه الآن وعلى استعجال، العمل على إثارة كل ما من شأنه أن يعمل على تجزئة الدول العربية إلى كيانات صغيرة أصغر مما هي عليه الآن، حتى يسهل التهامها أو السيطرة عليها والتحكم فيها عن بعد، واستخدامها كأدوات في اثارة النزاعات السياسية والحروب في الفترة القادمة. بريجنسكي مستشار الأمن القومي السابق في عهد الرئيس كارتر كان واضحاً في كتابه «بين جيلين» عندما قال: «إن الشرق الأوسط في السنين القادمة سيتحول إلى كانتونات تضم جماعات عرقية ودينية مختلفة. وهذا سيسمح للكانتون الاسرائيلي أن يعيش في المنطقة بعد أن يصفي فكرة القومية العربية التي تمثل أكبر تحد للوجود الصهيوني على أرض فلسطين». وضمن اعترافات أجهزة الموساد، وما تكشف عن أنشطتها، تأكد أنها عملت على العبث بالأمن والاستقرار في سورية ومصر ولبنان و الأردن والعراق والسودان وبلدان عربية أخرى. ولم يقتصر دور الموساد بالبلدان العربية، على كشف الأسرار وجمع المعلومات، واغتيال القادة والمقاومين الفلسطينيين لمصلحة الكيان الصهيوني، بل عملت أجهزته في التحريض على التفتيت وزرع الفتنة في البلدان العربية، واستثمار التوترات الطائفية والعرقية والصراعات القبلية لإضعاف تماسك وحدة الدولة الوطنية بهذه البلدان. -يبدو أن نزيف التفتيت والخراب الذي يقوده الموساد، وتشارك فيه قوى الهيمنة العالمية سوف يتواصل، ما لم تتم مواجهته على جبهات داخلية وعربية واقليمية. فعلى صعيد الداخل لامناص من تحصين مجتمعاتنا العربية من محاولات الاختراق، ولن يتحقق ذلك إلاّ ببناء دولة المؤسسات، والتصدي للفساد بمختلف أوجهة، وتأسيس نظام اجتماعي يستند على العدل والندية والتكافؤ. وعلى الصعيدين الرسمي والشعبي، ينبغي إعادة قراءة المشروع الصهيوني، من منظور جديد، باعتباره مشروع حرب يستهدف الأمة العربية بأسرها، و ذلك يقتضي العمل على إعادة صياغة سياساتنا واستراتيجياتنا، والانتقال في فهم الصراع، من الرؤية التقليدية، التي سادت منذ منتصف السبعينيات، والتي انطلقت من إمكانية التعايش مع هذا المشروع، إلى رؤية جديدة تسعى لتحصين المجتمع العربي من المؤامرات والدسائس. وينبغي أن يكون للعلماء والمفكرين، والجامعات ومراكز البحث العلمي، دور بارز في تفكيك الظاهرة الصهيونية، وصياغة رؤية علمية للتعامل معها، من أجل صيانة المجتمع، وحماية الأمن القومي العربي، صياغة تنطلق من رؤية قوامها أن الصراع مع الصهاينة، ليس حيال أرض متنازع عليها، كما هو في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 بل صراع وجود. |
|