|
الاندبندنت تعاني الديمقراطيات الغربية في أوروبا وأميركا، واليابان، من انهيار لقياداتها وانخفاض كارثي للثقة الشعبية بها، و لم تواجه أوروبا والولايات المتحدة أزمات تتعلق بتماسك اقتصادياتها كما تعاني الآن منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وعلاوة على ذلك فقد أصبح كل تقييم للقادة الديمقراطيين يسير بانحدار حقيقي فالسيدة أنجيلا ميركل مستشارة ألمانيا، و التي أشيد بها قبل عام واحد فقط : بأنها الزعيمة الأكثر منطقية والموثوق بها في العالم الغربي مع دعم كامل من الناخبين، تشهد الآن تدنياً كبيراً 40٪ في المائة فقط من الناخبين الألمان يقولون إنهم راضون عن أدائها ، و هذه أدنى درجات لها منذ توليها السلطة قبل نحو ست سنوات. ولقد كان حظها مع ائتلاف يمين الوسط أسوأ من ذلك فكان لها 12 في المائة فقط من الرضا. أما أوضاع التأييد فكانت أسوأ في فرنسا ، فالرئيس ساركوزي فقد شعبيته لتصبح20 في المائة فقط ، مقارنة مع 50 في المائة سجلها سلفه فرانسوا ميتران وجاك شيراك في نفس الفترة من ولايتهم وفي أقل من عام واحد بعيداً عن إعادة انتخابهم . كما شهد سيلفيو برلسكوني رئيس الوزراء الإيطالي سقوط شعبيته لأكثر من 50 في المائة خلال الشهرين الماضيين إلى نحو 40 في المائة كما تدل آخر الإحصائيات. و قد يكون مستغربا أن نسب التصويت لصالحه ظلت مرتفعة جدا لفترة طويلة ، رغم وقوفه أمام المحاكم . في الوقت نفسه كان لرئيس الوزراء اليوناني جورج باباندريو دعما شعبيا أكثر من الثلث ليصل إلى نحو الربع في غضون شهرين .. في حين أن ديفيد كاميرون يسير في نفس الاتجاه مع فضيحة مردوخ. وتراجعت شعبيته من 37 في المائة إلى 33 في المائة خلال الشهر الماضي . و هكذا كان الأمر بالنسبة لجميع القادة الأوروبيين باستثناء رئيس الوزراء الإيرلندي ، إندا كيني ، الذي مازال يتمتع بدعم قوي ، بنسبة 65 في المائة ، وهو أعلى نسبة مقارنة مع أي زعيم لإيرلندا خلال عقد من الزمان تقريبا . وبالذهاب خارج أوروبا .. فإن رئيس الوزراء الياباني ، ناوتو كان ، نجح في تحقيق أدنى درجات الموافقة عليه كزعيم حالي للديمقراطية مع 19 في المائة فقط من الناخبين المؤيدين له. أما الأكثر إثارة للقلق من ذلك كله هو عدم قدرة الرئيس أوباما على الحصول على شعبيته حتى أدنى المستويات في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، على الرغم من مقتل بن لادن. إلا أن الاقتراع الأخير ( راسموسن اليومي) قال إن 25 في المائة فقط يؤيدون أداءه كرئيس بالمقارنة مع 42 في المائة الذين لا يؤيدون بشدة – وهي واحدة من أدنى النتائج الأميركية منذ عهد الرئيس نيكسون بسبب فضيحة ووترغيت. لا يمكننا إلقاء اللوم على الملل الشعبي المتزايد بسبب خيبة الأمل مع قادة كان لديهم على ما يبدو الكثير من الوعود في البداية ومن ثم فشلوا في تحقيق واقع تجاوز التوقعات التي هي جزء منه ولا شك، إلا أن فقدان الثقة في القيادة الغربية على نطاق واسع مثيرة جدا. ولا يمكن تفسير ذلك كما حدث في الماضي، من خلال تحول عام بين اليمين واليسار، لكن الواضح أن الاقتصاد هو السبب المباشر. و اشتعل ذلك عندما حدث الانهيار المالي الأول في 9 / 2008، و الذي طال كل حكومة على حين غرة ، ولكن على الأقل كان ينظر إليه كتهديد مشترك يعود إلى قيادة غوردون براون . الآن بعد أن مرت الأزمة الحالية -- أو ينظر إليها كذلك -- خلقت سياسة التقشف والركود قدراً كبيراً من التشويش و الارتياب . من ناحية كان معظم الناخبين قد وافقوا على ضرورة شد الحزام. و أيام «كل شيء ممكن»..و من ناحية أخرى ، عندما يتعلق الأمر بالطبيعة الدقيقة للمعاناة وتقاسم الألم ، يكون تأييد الناخبين أقل بكثير. لقد اشتعلت الحكومات -- بين استياء الجمهور ومطالب خفض الميزانية من خلال الأسواق -- وتراجعت إلى المزيد من التردد في اكتساب القبول . المستشارة ميركل هي الحالة الأكثر وضوحاً. على الرغم من حكمها للاقتصاد الأكثر نجاحاً في الغرب ، إلا أنها قد تحول الموقف - في ظل تهديدات العجز عن السداد واسعة النطاق -- إلى تضارب متعصب بين القومية الألمانية و المصالح الأوروبية .و بمطالبتها لليونان بالتقشف الكلي ، جنبا إلى جنب مع دعوات لفرض قيود على الهجرة وعدم الالتزام في المشاريع الخارجية لا يمكن لومها لانطوائها المتزايد في ضوء تقييمات متدنية لها و بعد هزيمة حزبها الذي تلقاه في الانتخابات الأخيرة. وفي هذا السياق يبدو أن الرئيس أوباما.. يسير في نفس الاتجاه . فبعد كل أحاديثه عن الحاجة للحفاظ على الاقتصاد لصالح الإنفاق العام ، إلا أن الطبيعة الغريبة لسياسة الكونغرس قد أجبرته في محاولة مخيبة للآمال لتلبية مطالب المعارضة التي تتحدث عن مشكلات لا متناهية في ميزانية البلاد . وكان مع الرئيس ساركوزي ،في خطوة يائسة لتأكيد القيادة الدولية الفرنسية في ليبيا وغرب أفريقيا ، قد اضطرا لمعالجة المخاوف الداخلية بطريقة أكثر ضراوة من أي وقت مضى ، بل و بعنصرية شديدة . و يظهرالتعليق الرهيب على السياسة البريطانية عندما يكون لغوردون براون حقا ما يقدمه للشؤون الاقتصادية والدولية إلا أنه في مجلس العموم عليه أن يتكلم في فضيحة مردوخ ! بطبيعة الحال، و نظرا للأوقات الصعبة، يتجه الناخبون بدورهم إلى مشكلاتهم الداخلية الخاصة بينما يشعر الساسة الديمقراطيون بالحاجة لمتابعتها فقط. في حين أن متطلبات القيادة الديمقراطية : أن تتعالى فوق ضرورات صناديق الاقتراع وإعطاء رؤية أوسع للمستقبل الذي يمكن أن يشعر الناخبون فيه بالأمل وبالثقة. وبديل ذلك نكون قد صوتنا لجيل من القادة يسعون إلى اللجوء إلى النقاشات المحددة والضيقة هرباً من مواجهة التحديات. من جهة أخرى لا يمكننا القول إن الناخبين لا يريدون القيادة. وكانت التوقعات منصبة على الرئيس أوباما على وجه التحديد لأن الناخبين الأميركيين ، وكثيرون من الخارج ، أرادوا شخصاً يمثل رؤية مختلفة وأكثر تعاطفاً مع العالم من سلفه جورج بوش. وكذلك الأمر مع ناوتو كان الذي اختير ليصبح أول رئيس وزراء من خارج الحزب الليبرالي لثلاثة أجيال. وإذا كان ديفيد كاميرون أثار القليل من الأمل ، إلا أنه على الأقل يقدم وجهاً جديداً. من الممكن أن يرغب الناخبون اليوم تحميل السياسيين مطالب متناقضة إلى درجة الاستحالة -- وهذا ينطبق على نطاق أوسع بكثير من بريطانيا --إضافة إلى ازدرائهم للسياسة بشكل عام والسياسيين على وجه الخصوص. وينخفض إقبال الناخبين بشكل مطرد في معظم البلدان منذ الحرب ، من جانب آخر يتأمل الناخبون من السياسيين حل جميع الأزمات على الفور مثل مشكلات الركود، والميزانية و الأمن والصحة وتغير المناخ وكأن الحكومة لديها قوة تحريك الصولجانات ليتغير كل شيء. الناس يريدون قيادة لكنهم لا يريدون في الواقع الانضمام إلى الأحزاب ، وخوض الانتخابات المحلية أو المشاركة في الطريقة الديمقراطية السليمة التي تتطلب ازدهاراً أكبر . إنها مشكلة الدجاجة و البيضة وهنا نقطة خلافية – سواء أكان نقص المشاركة السياسية نتيجة لفشل السياسة أم العكس --. إلا أن النتيجة في الاتجاهين هي حصيلة من السياسيين لم يصلوا للمنصب بدافع المعتقد أو الخدمة ولكن باعتباره مهنة في حد ذاته من خلال البحث عن النجاح الانتخابي في أوساط غامضة تضمن قوتهم. و هذه هي المرة الأولى في التاريخ البريطاني أن يكون قادة الأحزاب الثلاثة جميعاً -- ديفيد كاميرون، نيك كليج وايد ميليباند – قد كرسوا حياتهم للعمل الوظيفي في السياسة كمهنة من دون خبرة حقيقية عن الحرب. والشيء نفسه ينطبق الآن على الإدارة الأميركية وحكومات معظم الدول الأوروبية. و يتجلى ذلك بإلقاء نظرة على قمة الثمانية والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي وكافة القضايا التي تشرف عليها و التي تؤكد أنهم غير قادرين على الوصول إلى مستوى المعالجة الصحيحة للأحداث. و أخيرا يمكننا القول إنه يجب آلا تكون « الرؤية المستقبلية» للأمور الموقوتة فقط. و الأوقات «مثيرة الاهتمام» ، بل أن ننظر في كل قضية تقريباً – من تهديد بانهيار اليورو إلى تعثر الاقتصاديات، في مستقبل فوكوشيما النووي و بالعواقب المترتبة على ما يسمى بالربيع العربي – والنظر بجدية للمشكلات التي تتطلب رداً حاسماً على حد سواء والتعاون والتنسيق الدولي. وفي النهاية قد يكون للجمهور توقعات غير واقعية من السياسيين ، ولكنهم رغم ذلك على حق .. فالجيل الحالي من القادة الغربيين ببساطة لا يرقى إليها. بقلم : أدريان هاملتون |
|