تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


محيط الزوابع

إضاءات
الأثنين 15-8-2011
خلف علي المفتاح

توطئة للمقال أوضح أن أغلب ساسة الشرق عدا بعض الاستثناءات يعتقدون أن الغرب يتعاطى مع ما يجري في العالم من أحداث كما يتعاطون هم ويغيب عن تفكيرهم أن السياسة

عند الغرب هي صناعة ينسج خيوطها الأولى باحثون ومؤرخون ومستشرقون وعلماء اجتماع ومفكرون تؤلف بين قلوبهم وعقولهم مراكز دراسات استراتيجية ويضعون دراساتهم على موائد الساسة فتتحول إلى استراتيجيات وبرامج عمل غالباً ما تكون منطقتنا العربية والإسلامية مسرح عملياتها.‏‏‏

محيط الزوابع هي التسمية التي أطلقها المنظر الأكبر للمحافظين الجدد برنارد لويس على الجغرافية الممتدة من أفغانستان وحتى شمال إفريقيا ويرى وجوب أن تكون محط نزاعات وصراعات تؤدي بالنهاية إلى تقسيمها على أسس مذهبية وطائفية وعرقية بحيث تدخل في صراعات لا نهاية لها وتجعل من الحماية الخارجية لكياناتها الهزيلة ضرورة ومطلبا.‏‏‏

برنارد لويس هذا المستشرق والمنظرالمعتمد لسياسيي الغرب وسياساته انطلق في رؤيته للمنطقة من خلال دراسات تاريخية عميقة و مستفيضة ألف خلالها عشرات الكتب ونشر العديد من البحوث والدراسات في أهم وسائل الإعلام الغربية والعالمية لتشكل عند الكثير من مراكز القرار الأساس والمرتكز لإستراتيجياتها المستقبلية عند تعاطيها مع العالمين العربي والإسلامي وخاصة في الفترة التي أعقبت انهيار نظام القطبية الثنائية وظهور بوادر أولية لما سمي نظاماً عالمياً جديداً تقوده أميركا ومن خلفها أوروبا القارة العجوز التي تريد استعادة شبابها باستثمارها ما أطلق عليه الربيع العربي.‏‏‏

وللتعرف أكثر على المنهج الذي اعتمده لويس هذا في تحليله لبنية التفكير السائد في عالمنا العربي والإسلامي وطبيعة الثقافة السائدة فيهما لابد من تسليط الضوء على نظرته للآليات التي تحكم العلاقة بين الشرق والغرب راهناً ومستقبلاً من وجهة نظره، حيث أحالها للمكون الثقافي والمجمل الكلي الديني وهذا ما يمكن تلمس بعض ملامحه من خلال مقال نشره في مجلة نيويورك ريفيو تحت عنوان (أعداء الله )يقول فيه : إن الثورات الإسلامية تمتلك عاقبتها وبلاشفتها بالحماسة الشرسة للمجموعة الأولى وبالثوابت الجامدة للمجموعة الثانية وبالعنف الدامي للاثنين معا ولن يطول الأمر حتى تفرز هذه الثورات نموذجها النابوليوني أو الستاليني لكي تبلغ ذرا جديدة من حربها ضد (أعداء الله )وإذا كانت الثورة الفرنسية قد عرفت خصومها اجتماعيا بالارستقراطية والثورة الروسية اقتصاديا واجتماعيا وإيديولوجيا فإن الثورات الإسلامية تعرف خصومها بمصطلح واحد وحيد هو (أعداء الله ).‏‏‏

الغريب أن كتابات لويس والثقافة السياسية التي نشرها في مراكز القرار في الغرب وعلى الرغم من تسليط الضوء عليها عبر وسائل الإعلام والعراك الثقافي الدائر حولها لم يتعامل معها أصحاب القرار وراسمو الاستراتيجيات في عالمنا العربي والإسلامي بالقدر الكافي من الأهمية ولم يضعوا استراتيجيات بديلة بمواجهتها- دون إنكار أن ثمة استثناءات هنا وهناك –ما جعل أكثر بلداننا ضحية لها ولعل ما يجري في منطقتنا العربية وطريقة استثماره وتوظيفه غربيا هو الدليل الأوضح على ذلك وإلا كيف نفسر ظاهرة ركوب ومصادرة ما يجري من حراك في المنطقة والتحريض الغربي والصهيوني اتجاه إدخال المنطقة في دائرة الحروب والاحتراب الديني والمذهبي والطائفي والجهوي تحت مسمى الحرية ومحاربة الاستبداد وهي مطالب مشروعة ومحقة لكل شعوب الأرض ،ولعلنا نكتشف أكثر درجة التواطؤ والتكاذب الغربي في كل ما يجري من خلال لويس نفسه عندما يقول : إن مشكلة الشرق الأوسط الذي اطلق عليه محيط الزوابع لا تتعلق بمدى التطابق بين الأصولية والديمقراطية بل بإمكانية وجود أي تطابق بين هذه الأخيرة والدين الإسلامي ذاته ،الأمر الذي يعني أن (حروب الله) قائمة وحامية الوطيس ما دام أعداء الله يتقاطرون من كل حدب وصوب .‏‏‏

مع مقايسة الواقع ووضع ما يجري في مخبر التحليل السياسي أو حتى نظرية المؤامرة يكتشف الباحث الحصيف ان إستدارة ما قد بدا الغرب يشتغل عليها في تعاطيه مع الحالة الإسلامية المتطرفة تمثل حالة انتقال من قتال ومواجهة مع إسلام متطرف إلى قتال ومواجهة بإسلام متطرف.‏‏‏

بعد مجازر صبرا وشاتيلا حيث ذهب ضحية لها آلاف الفلسطينيين واللبنانيين عقب على ذلك رئيس وزراء الكيان الصهيوني الإرهابي مناحيم بيغن في جلسة لمجلس وزرائه قائلا :الغوييم يقتلون الغوييم واللوم يقع على اليهود ...ترى ماذا كان سيعلق ذلك المجرم على ما يجري في منطقتنا لو أنه ما زال على قيد الحياة ،سؤال نضعه برسم التاريخ ؟‏‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية