|
الافتتاحية والسؤال- ربما - لماذا هذا التبجح الأميركي بأنها كانت وراء ذلك كله.. وما الغاية التي تدفعها إلى التذكير بأنها من يقود تلك الحملة.. وأن كل ما هو آت من ضغط وتحريض وتجييش سيكون نتاجاً أميركياً أو بترخيص أميركي؟! لا تبدو الإجابة صعبة وهي بدوافعها الداخلية والخارجية واضحة للعيان، فقد اعتدنا على أن السلوك الأميركي في المنطقة كانت تحكمه على الدوام الاعتبارات الإسرائيلية، لم يشذ عن هذه القاعدة ولا يبدو أنه سيشذ هذه المرة. لكن ليس الأمر بهذا الاختصار.. ولا هو بذلك المعيار فقط، وإنما هو محكوم أيضاً بعوامل تفرغ ما فيها من أزمات ومشكلات نحو اتجاهات أخرى تعبر عن نفسها في هذا الحشد الكوني المترامي الأطراف، حين كانت جميعها ترى في الهروب من أزماتها تقاطعاً يتلاقى مع المسعى الأميركي. وعلى هذا النحو أيضاً يمكن فهم واستقراء الواقع من خلال التدقيق في الحال الأوروبي ككل.. ومن ثم استعراضه منفرداً حيث نلحظ أن الحماسة تتناسب طرداً مع حجم المشكلات والمعضلات التي يواجهها كل بلد.. فالفرنسيون والبريطانيون الذين يقودون الحملة أوروبياً يتصدرون البلدان الأوروبية في مشكلاتهم الداخلية، ولم تكن احتجاجات لندن إلا عينة مصغرة لذلك الواقع. أما الوضع الأميركي المرشح لأبعد من ذلك فإنه كلما استفحلت مشكلات الداخل الأميركي، كان أكثر صخباً وضجيجاً، وكلما ضغطت تلك المشكلات.. كان الصوت يرتفع والغضب يتوضح، وتتراءى ذهنية شرطي العالم في تلك العبارات التي تنم عن تعب واضح في أعصابهم. وهذا يفضي إلى توقع أن ذلك الصخب وفقدان الأعصاب سيتكرر غير مرة، خصوصاً أن عاملي المشكلات والإفلاس يتجهان في خط واحد، نحو ذروتهما، وبالتوازي معهما سيتكرر الطلب الأميركي غير مرة وسيكون الضغط أكبر، والأطراف التي سارعت إلى الاستجابة ستكون أكثر مطواعية في استجابتها. والأمر ذاته ينطبق على العامل الإسرائيلي المرشح هو الآخر للبروز بطريقة أكثر وضوحاً، وليس دخول بيريز على الخط إلا مؤشراً أولياً سيكون أكثر وضوحاً مع تفاقم المشكلات أمام حكومة نتنياهو التي تحترف سياسة الهروب إلى الأمام من الأزمات.. عبر اللجوء إلى تفجير الأوضاع في غير موقع. بين كشف أميركا عن «سر» وقوفها وراء كل الحشد.. وبين تباهيها.. تختصر المسافة إلى الحد الذي يعيد إلى الواقع حقائقه المغيبة أو المنسية والتي تؤكد أن الأوامر المسطرة ليست وليدة اليوم، ولا هي فقط إعادة لنسق الأخطاء المرتكبة من دول وأطراف.. أخطأت في الماضي كثيراً حين بالغت في استجابتها للإملاء الأميركي وفي انحناءاتها لأوامره ومتطلباته.. وتخطئ اليوم أكثر حين تعيد ارتكابه بهذا الشكل الفاقع، وبهذا الادعاء الفارغ. لكن.. وإن اعتدنا عليه في الماضي.. فإنه من المفجع أن يتكرر اليوم مع ما ينطوي عليه من فارق بما في ذلك نتائجه وتداعياته التي لن تكون هذه المرة مقتصرة على الحيز الذي يتوهمونه.. لأن ارتداداته.. «تسونامي» لن توفر أحداً من انعكاساتها ومخاطرها. لذلك فإن الفرصة ما زالت سانحة لبعض الوقت.. وهناك من عدّل في مسار استجابته، والعودة عن الخطأ فضيلة.. ومقاومة الضغط الأميركي وممانعته وحتى في الحد الأدنى فرملة الاندفاع في الاستجابة له قد تكون موازية تماماً لتلك الفضيلة.. نحن لم نتفاجأ بإماطة اللثام عن هذا «السر» لكن هل تفاجأ من اختبأ خلفه.. ؟!! |
|