|
إضاءات وبطبيعة الحال ترافق هذا مع المقارنة التقليدية بين (هم.. و.. نحن): «انظروا ماذا فعلوا..ولاحظوا كيف قصرنا!! ».. لست بصدد الدفاع عن أحد، لكن الإنصاف يقتضي القول إن العالم الغربي لم يعرف بهذه الجريمة الشنيعة عن طريق قناة «الجزيرة» وشبيهاتها، وهي من تتبنى في عمق خطابها (الفكري) والإعلامي كل المبررات التي ساقها القتلة للإجهاز على حياة الأسعد. وإنما تم إعلام الهيئات الثقافية والأثرية الدولية بما حدث من قبل الهيئة الأثرية الرسمية السورية، التي سعت بفضل علاقاتها مع تلك الهيئات لتسليط الضوء على هذه الجريمة البالغة البشاعة، ومن خلالها على الخطر الذي يتهدد الإرث الإنساني (علماً وعلماء وأوابد وآثار وتاريخ) في واحدة من أهم مواقع هذا الإرث في العالم، دون استجابة تُذكر من تلك الهيئات، فإذا كان الإيطاليون قد قاموا مشكورين بعمل (رمزي)، وقمنا من جهتنا (عبر الفيسبوك على الأقل) برد التحية بأحسن منها، فإن موقف باقي الجهات الثقافية العالمية، والأثرية منها خاصة، يدعو للعجب، إن لم نستخدم تعبيراً آخر أكثر قسوة وصراحة.. فالشهيد ليس شخصية اعتبارية وثقافية سورية بالغة الأهمية فحسب، بل هو شخصية تربطه صلات وثيقة بكل الجهات العلمية والأثرية العالمية المهتمة بـ«تَدمُر»، وليس بين الجهات الأثرية والثقافية العالمية من لا يهتم بها، وقد ساهم بفعالية في ملتقيات أثرية في ايطاليا، واليونان، والنمسا، وبريطانيا، وترأس الجانب السوري في البعثات الأثرية المشتركة (السويسرية والأمريكية والبولونية والفرنسية والألمانية) وإحداها قامت بترميم معبد «بعلشمين» الذي ذكرت الأنباء الواردة من«تَدمُر»، أن «داعش» دمرته أمس، كما شارك في بحوث ومؤلفات ومنشورات أثرية طُبعت بعدة لغات حية مع باحثين وعلماء فرنسيين وبريطانيين وأميركيين وبولونيين ونمساويين وألمان. لا ريب أن العلماء المؤمنين بالغاية الإنسانية للعلم، والمثقفين المخلصين للثقافة الإنسانية لهم موقف مغاير لمواقف الهيئات الرسمية والخاصة في بلادهم، بما في ذلك الكثير من الهيئات الثقافية والأثرية، القائمة على سياسة الهيمنة وإلغاء الآخر بثقافته وتراثه، وحتى بوجوده المادي. والتي تقدم ما لا يحصى من الأدلة على ما سبق، والأقرب إلى الذاكرة منها نهب المتحف العراقي، برعاية ومباركة ومشاركة القوات الأميركية، والتعامي بعد ذلك عن عمليات التدمير المنهجي لتراث المنطقة الثقافي، بدءاً من غض النظر عن التقارير الإسرائيلية المتتابعة التي تحكي بفخر عن الآثار العراقية المنهوبة التي صارت بحوزة «إسرائيل»، ومعظمها سُرقت من المتاحف العراقية بعد اجتياح القوات الأميركية للعراق، مروراً بالإدانة الخجولة، والمعتم عليها في غالب الأحيان، لجرائم تدمير المدن والمواقع الأثرية في العراق وسورية. قبل أسابيع قليلة ترددت أنباء عن تحطيم «داعش» لتمثال «أسد اللات» التَدمُري، وبما أن عملية التحطيم غير موثقة، فيجوز الافتراض أن هذا التمثال النادر قد أمسى في مزرعة في «كاليفورنيا» أو في ضواحي «تل أبيب». هو في كل الأحوال لم يعد في أرضه، والكارثة الأكبر أن يخرج أيضاً من الذاكرة الإنسانية، وذاكرتنا نحن تحديداً. فهذا التمثال الرائع الذي يصور أسداً يحمي غزالاً يملك قيمة فنية وأثرية وفكرية كبيرة، والجملة المكتوبة عليه باللغة الآرامية وثيقة أمينة عن رحابة الفكر التي تمتع بها أجدادنا بناة حضارات المنطقة. لقد عثر على هذا التمثال عام 1977 وتم ترميمه وعرضه في حديقة متحف «تَدمُر»، كما صُنعت نسخة عنه لا تزال معروضة في حديقة المتحف الوطني بدمشق، وإلى ذلك نُشرت صورته بعد بضع سنوات على صفحة كاملة في التقويم السنوي لوزارة السياحة، وأنتجت منه نماذج تذكارية صغيرة كثيرة يتم بيعها في المتاحف والمواقع الأثرية ومحال بيع التذكارات تلبية لرغبة الزوار الأجانب الذين عرفوا به وبأهميته قبل أن يقرروا المجيء إلى بلادنا. لا أستطيع تحديد كم من السوريين بالمقابل يعرف ما يجب أن يعرفوه عن «أسد اللات» وسواه من الآثار السورية المهمة.. وأحيل الأمر إلى هواة المقارنة بين (هم..و..نحن).. وللحديث www.facebook.com/saad.alkassem ">تتمة.. www.facebook.com/saad.alkassem |
|