تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


مكافحة حيوية!

معاً على الطريق
الثلاثاء 25-8-2015
خالد الأشهب

كل معاول العالم أعجز من أن تحطم فكرة أو سطراً في كتاب، فما بالك بأكداس من الكتب المتراكمة عبر مئات السنين وآلاف المؤلفين؟! أكداس شكلت عقلاً مستقلاً ازدحم بكم هائل من الأجوبة الجاهزة المنحوتة حتى ندرت لديه الأسئلة،

انتقل عبر الأجيال ومن الآباء والأجداد إلى الأحفاد دون أن تنال منه سيرورات التطور والحداثة انتاجاً موضعياً أو تبادلاً مع الخارج، فقسا وتصلب حتى غدا أقرب إلى الحجر منه إلى الهشاشة!‏

يحدثوننا عن قتال داعش وهزيمته كما لو أنه فرقة أو فوج من المقاتلين فحسب، ويجتهدون في تحديد آفاق وأزمان كفيلة بتغييبه عن ساحة الحياة والفعل فيها، فمرة بهذا السلاح ومرة بهذه التقنية وثالثة بتلك الخطط.. تدمرونه وتقتلونه وعفا الله عما كان. لكنهم ينسون أو يتجاهلون أن داعش ليس رجلاً ولا رهط رجال، ولا هو فرق ولا أفواج، بل هو أفكار.. وهل للحديد أن يفل الأفكار؟‏

ليست مسؤولية البذرة أنها نبتت هنا ويبست هناك، ولا مسؤولية عابر السبيل الأميركي أو الأوروبي أن يجتثها هنا ويرعاها هناك، بل هي مسؤولية التربة والماء والهواء.. والحقل ليس بأعشابه فحسب، بل وبترابه ومائه وهوائه فلولاها لما كانت الأعشاب. ومسؤولية التربة التي استنبتت داعش وغيره من أفكار التطرف في تقديس الذات وإلغاء الأخر، أكبر كثيراً من مسؤولية بذوره إذ لا شيء من خواء ولا شيء إلى خواء.‏

استراتيجية « الذئب المنفرد» مثال حي وصادم لكل من يفكر بمنطق الهزيمة والانتصار العسكريين في الصراع مع داعش، فالذئب المنفرد هو فكرة داعش المتنقلة أو النابتة في أي مكان أو تربة فيها ماء داعش وهواؤه، وليس من الضرورة أن يكون الذئب المنفرد منتسباً إلى داعش بالورقة والقلم ولا متدرباً حيث يقيم داعش ويتمدد جغرافياً، بل هو الفكرة الداعشية وقد صارت رجلاً أو امرأة، يبادر أو تبادر إلى تنفيذ فكرة داعش قتلاً أو سفكاً لأي دم دون أذونات وأختام وتواقيع، ودون تموين أو تسليح أو توجيه... وحتى دون ثناء أو توبيخ.‏

مواسم من داعش والقاعدة والنصرة وغيرها سوف تتجدد.. وهي تتجدد ولو حرقتم موسماً أو حرثتم حقلاً قبل أن ينضج.. لطالما تربة داعش وهواؤه وماؤه تمنح الحياة والنمو لأفكاره، ولطالما ظل خيار الحديد والنار قائماً.. وحيداً في مواجهة داعش، وسيظل عابر السبيل الأميركي ومن يشبهه يحشو جيوبه بالبذور، يرشها ويمضي بانتظار ربيعها!‏

اقلبوا تراب الحقل عاليه محل دانيه، واتركوا الشمس تسطع في عمقه والأخاديد، تجدد هواءه الموبوء منذ مئات السنين وتجفف ما أنتن من مائه، وليكافح الحيوي حيوياً مثله والفكرة تكافح فكرة مثلها.. وإلا فواقع الحال مقيم!!‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية