تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


طلاسم السياسة الأميركية تجاه العرب والعالم

شؤون سياسية
الخميس 18-8-2011
هيثم عدرة

فك طلاسم السياسة الأميركية في المنطقة العربية بشكل خاص والعالم بشكل عام ليس بالأمر السهل، وخصوصاً التناقضات التي تبدو للوهلة الأولى والتي معالمها تتضح شيئاً فشيئاً،

فمن جانب تسحب واشنطن قوات من أفغانستان والعراق، ومن جانب آخر تواصل المشاركة والحث قدماً في استئناف العمليات الحربية فوق ليبيا، وقامت بضربات صاروخية تستهدف مواقع القاعدة في اليمن ؟ فهل بيت القصيد هنا محاربة الإرهاب وحماية المدنيين العزل ودعم الحراك الديمقراطي أم تغييب الاستقرار وإثارة القلاقل؟.‏

على الرغم من تقليص الوجود العسكري الأميركي في العراق وأفغانستان إلا أن الولايات المتحدة على ما يبدو لا تنوي تخفيف ضغوطها السياسية والعسكرية على دول المنطقة، وهي تبيت عمليات حربية جديدة، ينسحب ذلك في المقام الأول على مشاركة الولايات المتحدة في الحملة ضد نظام معمر القذافي كما يدعون وتكثيف القصف الأميركي لمواقع القاعدة المفترضة في اليمن!؟‏

ويمكن القول إنه يرى الكثير من الخبراء على استراتيجية أوباما جملة تناقضات تغدو واضحة تماماً على خلفية رغبة الرئيس الأميركي في الابتعاد أكبر مسافة ممكنة عن سياسة سلفه جورج بوش الابن.‏

هذا يجعلنا ننتقل إلى الطريقة التي نراها على الصعيد العربي وكيف تتم صناعة البؤر الساخنة، وما العوامل الأكثر تأثيراً في تأجيج الأحداث وتحويلها إلى دموية بكل من ليبيا واليمن على سبيل المثال أهي داخلية أم أجنبية خارجية ؟هل هناك وجود لـ صناع البؤر الساخنة لتحويل الاحتجاجات السلمية إلى شلالات دم؟ وما العوامل الداخلية التي تساهم في ظهور مثل هذه الأمور؟.‏

سيناريو الأحداث التي جرت في بعض الدول العربية التي قادت من خلال الاحتجاجات الجماهيرية السلمية إلى إسقاط النظام في كل من تونس ومصر لم يتكرر في ليبيا أو اليمن، فالمواجهة بين السلطات والمعارضة بمشاركة أجنبية اتخذت في هذه البلدان طابعاً مستديماً وتسببت في وقوع عدد كبير من الضحايا، وبهذا الخصوص يتساءل الكثيرون لماذا انزلقت الاحتجاجات الجماهيرية التي كانت سلمية من البداية إلى هواية إراقة الدماء على المكشوف بعد حين من الوقت؟.‏

أبسط جواب على هذا السؤال يتلخص في القاء تبعة الأحداث على السلطات التي لا تريد تلبية مطالب المحتجين، إلا أن بعض الخبراء والمحللين يؤكدون أنه يوجد دور كبير على هذا المجال يعود إلى (قوة ثالثة) طالما أن الدوائر الأمنية لعدد من الدول الأوروبية تمتلك حالياً ترسانة كاملة من الوسائل والأساليب الخصوصية وكذلك الاختصاصيون القادرون على تحويل هذه المدينة أو المحافظة أو تلك إلى (بقعة ساخنة) يستثيرون فيها المحتجين ويحرضونهم على الاشتباك مع قوات حفظ النظام ويشعلون فتيل النزاع، علماً بأن مدبري النزاع، الحقيقيين يعملون (في الظل) ويتسترون على تصرفاتهم بدقة متناهية، ومن جهة أخرى غني عن البيان أن مفعول تصرفات (القوة الثالثة) يتوقف لدرجة كبيرة على القدرة الاحتجاجية للمعارضة من جهة، وما يريدون من البلد المعني من جهة ثانية.‏

هذا يجعلنا نصل إلى طبيعة الولايات المتحدة وماذا تريد من العرب أولاً والعالم ثانياً أي بمعنى كيف ترى الشرق الأوسط من وجهة نظرها وماذا تريد منه وكيف نظرتها إلى العالم وفق استراتيجيات أعدت لهذا الغرض.‏

ويمكننا القول: إلى أي حد تستطيع الولايات المتحدة التعامل مع دور الراعي والموجه للقوى في المسائل العالمية والذي يتحدث عنه الرئيس أوباما في مستهل زيارته إلى بريطانيا ؟.‏

هل يمكن تأكيد النظام العالمي على الطريقة الأميركية إن صح التعبير أم إنه وبرغم دعم الحلفاء فإن المشروع الأميركي للهيمنة فاشل ؟ وما الهدف الحقيقي للولايات المتحدة على المنطقة كالعراق وليبيا ناهيك عن أفغانستان - الفوضى أم الاستقرار؟.‏

الولايات المتحدة لا تنوي التنازل عن الريادة السياسية والعسكرية العالمية،بل تخطط لمواصلة تولي الدور الحاسم في الشؤون الدولية، بهذا الإطار تحدث أوباما مؤخراً أمام البرلمانيين في لندن، وعلى الرغم من النمو السريع والتطور الفاعل لدى العملاقين الآسيويين الصين والهند فإن أوباما يستبعد أن يكونا قادرين على التقليل من النفوذ العالمي للولايات المتحدة أو أوروبا الغربية، إلا أن السؤال الذي يطرح في هذا السياق هو هل تستطيع الولايات المتحدة أن تعرض على العالم مشروعاً مستقبلياً إيجابياً دقيقاً يدلل على مصداقية ادعائها بدور (الامبراطورية العالمية) في القرن الحادي والعشرين؟.‏

يرى العديد من الخبراء والمحللين أن النخبة السياسية والفكرية في الولايات المتحدة تناقش حالياً أكثر من مشروع لبناء مستقبل العالم، وهي مشاريع متناقضة على أي حال، علماً بأن قيام تحالفات سياسية جديدة في آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية وتزايد تأثيرها على مجريات الأمور العالمية يمكن أن يعوقا تنفيذ أي مشروع للهيمنة الأميركية وحدها، وتواجه واشنطن الوقائع الجديدة لعالم يزداد تعقيداً، فحتى أقوى دولة بين سائر الدول لا تمتلك الامكانية للتحكم بكل ما يجري في هذا العالم والأحداث التي تجري في الوطن العربي خير دليل على ذلك.‏

وبحسب ما يعتقد البعض أن الرئيس أوباما، إدراكاً منه لكون الهيمنة العسكرية والسياسية على النطاق العالمي تكلف الولايات المتحدة أموالاً طائلة وضحايا بشرية، إنما يحاول أن يغير طبيعة السياسة الخارجية الأميركية ويقلص التدخل العسكري المباشر في النزاعات، إلا أن هذه الاستراتيجية تدخل بدورها في تناقض مع أطماع النخبة الأميركية ورغبتها في السيطرة على العالم.‏

هذا الواقع الجديد الذي يحاول الرئيس الأميركي القيام به هو افتعال الأزمات الداخلية والحروب في البلدان المنوي تغييرها لتنسجم مع الاستراتيجية الأميركية ظناً منه أنها قد تنجح، ولكن ما نراه هو العكس تماماً الاخفاق والفشل، وهذا بدوره يجعل الإدارة الأميركية تخرج من مأزق لتدخل آخر، وهذا يشكل حالة من التخبط في وضع السياسات للسيطرة على العالم عبر التدخل المباشر أو عن طريق الغير.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية