تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


كليتشدار أوغلو والعقل السياسي الإقليمي

شؤون سياسية
الخميس 18-8-2011
الدكتور فايز عز الدين

بما عرفت به السياسة على أنها فن إدارة المجتمع والدولة. وشؤون التاريخ بأزمنته، تعرف كذلك بأنها فن الممكن التاريخي، وبها يتحقق للناس الوصول إلى أهدافها في الحياة الكريمة،

كما بها تخسر كلّ إمكان للوصول إلى هذه الحياة. ولذا فإن السياسة حين تقترن بالعقل، وتستقل في طرائق التفكير والتعبير، وللتدبير تصل إلى المرجو، والمأمول في صناعة ما نريد، أو إعادة انتاجه. عبر التاريخ الموغل في القدم شهدت البشرية تجليات كثيرة لسياسات العقل والحكمة، وأخرى تفتقد لهذين الحدّين وتودي بالوطن والمواطنين، وتقوض ما حصلت عليه الناس في عقود، أو قرون من العمل والإبداع.‏‏

والسياسة مرتبطة بكل حركة للمجتمع، أو حراك، وعلى توجهاتها تتوقف المحصلات في الوطنية والمستقبل.‏‏

وحين تعبّر عن حكمة الكتلة، تكون أنجح بكثير من تعبيرها عن حكمة فرد وحسب. وفي سياق من هذا النوع نقول: إن العقل الجماعي في السياسة أكثر إنتاجية من العقل الفردي بها مهما علا منطق الحكمة عند الفرد العظيم.‏‏

والسياسة مرتبطة دوماً بالحياة. وأشكال التقدم، والحرية، كما ترتبط بكل جديد، وحداثي، وممنهج وعليها تتوقف الصورة الكلية، أو الصورة الجزئية. فالذين يقرؤون-بالسياسة- بما يلاحظ تكوينات الصورة الكلية في الدولة، والمجتمع بالضرورة غير الذين يقرؤون بتجزئة الصورة لتصبح لديهم الرؤية قصيرة النظر والمدى. ومن الأسف أن قادة العرب- منذ دخول هولاكو 1258 م، ومقولة :« إن بغداد تكفيني، ولايستكثرونها عليّ-مازالوا لم يمسكوا بالعقل السياسي حتى يروا ما وراء الظاهر، أو حتى يمسكوا بزمام المكان، والزمان، ومتطلبات السيادة، والاستقلال، والوجود. والمثل قائم في كل عصر ولو أخذنا أقرب العصور لقلنا: كيف يقنعنا الغرب الإمبريالي بالتحرر من العثمانيين في عام 1916 م وهو في العام نفسه قد أكمل معاهدة(بطرس برغ) في روسيا القيصرية بما كان يسمى حل المسألة الشرقية، وقسم بلادنا على الأوروبيين؟ وحين احتج شريف مكة على مكماهون حدث أن غيّروا اسم بطرس برغ بـ سايكس بيكو، كما تتغير اليوم الصورة من وجه لآخر وتبقى هي هي .‏‏

ومنذ معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، وإخراج مصر من صراع العرب مع الكيان الصهيوني، إلى محاولة تدمير سورية من 1977- 1983 كي لا تقطع الطريق على كامب ديفيد إلى احتلال الكويت ومساهمتهم به، إلى تحريرها بالتحالف الدولي، إلى احتلال العراق وموافقتهم عليه. إلى تقسيم السودان وموافقتهم، وإلى ادعاءات الربيع العربي وقناعتهم به شريطة أن يتمكن هذه المرة من تدمير سورية لا أن يفشل.‏‏

هكذا كانت مناهج البعض في السياسة العربية وبهذه المناهج تم الهجوم على ليبيا وما زال، وبها تساق المجموعة العربية إلى مذبح العرب والعروبة على جدار المبكي المزعوم، ولا زلنا ننظر إلى أن الحل من عند الذين استعمرونا، ولا زالوا لايقبلون لنا تقدماً الا إذا آمن به الغرب الصهيوني أو استأمن منه. والغريب أكثر اليوم أن أميركا، ومعها الصهيو أروبيون تجتهد لكي تؤمن لنا الحرية، وليس لنا إلا الشكر. وقد استطاعت أن تؤثر على ذهنية بعض القادة الأتراك الذين نظرنا إليهم- في يوم ما- أنهم قد تفهموا مصير المنطقة المشترك، وأن التحالف بيننا وبينهم هو المستقبل المضمون للطرفين، ومع كل ما واجهنا منهم من خيبة أمل يطل علينا صوت العقل السياسي السليم للسيد كليتشدر أوغلو رئيس حزب الشعب التركي المعارض حين يحذر القادة الأتراك-وأردوغان أولاً- من مغبة السياسة القائمة على التحرك وفقاً لمصالح الغرب، وليس مصالح الأتراك، ويصف السياسة التركية بأنها جري وراء سياسة القوى المهيمنة، وليست سياسة الاستقلال التركي، والانطلاق من المصالح القومية للشعب التركي.‏‏

ومن دلالة العقل السياسي الإقليمي السليم عند كليتشدار حين يقول: «ان سورية ليست دولة هامشية في العالم العربي، بل بلد مفتاح، وإن أي اضطراب فيها ينعكس على تركيا، وإن على أنقرة أن ترى ذلك وتتحرك على هذا الأساس، مضيفاً بأن السياسة الخارجية لا تتأسس على الرومانسية، بل على المصالح المتبادلة وغداً تتغير مصالح الدول المهيمنة فتعود إلى سورية... وبدل أن ينظر إلينا الشعب السوري بريبة يجب أن نرسخ حسن الجوار معه» وهكذا تطلق المعارضة التركية أكبر حملة انتقاد للسياسة الخارجية لبلدهم التي تقوم على التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، وكم نحتاج - في القادة العرب، والجامعة لمثل كليتشدار الذي يرى ما وراء الظاهر، وينطلق من مصالح بلاده، ولا يترقب الأوامر القادمة من البحر كما يفعل القادة العرب، وهل نحلم بأن يكون كليتشدار راشدة عربية لبعض القادة العرب المستغربين؟!!‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية