تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الوطــــن غـــــالٍ والاغتــراب تقليــعة العصــر

ثقافـــــــة
الخميس 18-8-2011
مهاة فرح الخوري

الاغتراب موضوع شغلني، وهو في صلب اهتماماتي..، وشغلني لسنوات عديدة وطويلة من حياتي.. وفي طولتي سمعت مراراً ألم جدتي بسبب اغتراب اثنين من أولادها أخوين لوالدي

ولم يعودا قط إلى أرض الجذور إلى الوطن الحبيب وكانت هجرة لكثير من الشبان والشابات بسبب الاحتلال العثماني وقلة الموارد.. وأسباب يصعب معرفتها.‏

الاغتراب، الوصل، التقارب والتمازج في الفكر وفي القلب ورحت أستقي من مصادر ومراجع لأجد أسماء الأوائل الذين قصدوا بلاداً بعيدة ليتعرفوا على المجهول.‏

في كتاب «أديباتنا وأدباؤنا في المهاجر الأميركية» للشاعر الأديب جورج صيدح إن أول من هاجر إلى أميركا الشمالية وأقام فيها رجل لبناني أنطون الشعلاني وكان ذلك في عام 1852 وفي عام 1872 جاء الدكتور أسعد صابنجي.‏

ويذكر العلامة عبد اللطيف يونس في كتابه «المغتربون» أنه بعد ذلك عقدان لم يسمع فيها عن المفتربين اللبنانيين.. وفي السنة الأخيرة من القرن التاسع عشر ولغاية 1924 تعتبر هذه الحقبة أساسية بالنسبة للهجرة العربية إلى الولايات المتحدة التي تعد بالالوف.. وبعد ذلك انخفض العدد إلى بضع مئات فقط.‏

إذا ما عدنا إلى القرن التاسع عشر قدر عدد المهاجرين آنذاك بمليون شخص أي بثلث سكان سورية الطبيعية في آواخر القرن المذكور.‏

في عام ألف وتسعمئة واثنين وتسعين في جولة في أنحاء الولايات المتحدة الأميركية اطلعت على دليل للعرب الأميركيين يصدر مرة كل سنتين باللغة الانكليزية وهو يشكل مرجعاً يحتوي على دراسات ومعلومات عن حاضر الجالية العربية وماضيها في الولايات المتحدة كما يتضمن إحصائيات دقيقة وتحقيقات تاريخية ومن قراءة دقيقة له عرفت ان الجالية العربية آنذاك تقدر بثلاثة ملايين نسمة منهم مليون وثمانمئة ألف يتمتعون بحق التصويت.‏

هم سفراء لنا سفراء دون تكليف وبعد سفارة يحرصون على إبراز الشخصية العربية بعاداتها وتقاليدها.‏

أصواتهم ترتفع للتلاقي مع وطنهم، أدباؤهم وشعراؤهم حملوا أبواقهم منشدين نشيد الحب والحنين والرغبة في العودة.‏

أحب أن أذكر أن المهاجر لم يقف مكتوف الأيدي في بلاد الغربة بل كافح هناك وبنى كياناً لنفسه أنشأ المنظمات والمؤسسات والنوادي ومراكز لقاءات وتجمعات ورابطات وجمعيات فمن الرابطة القلمية عميدها جبران خليل جبران إلى رابطة مينرفا إلى العصبة الأندلسية مؤسسها ورئيسها ميشيل معلوف ثم الشاعر القروي.‏

أما الصحف والمجلات عل الرغم من صعوبة التبادل والاتصال. فكانت عديدة وخدمت استمرارية اللغة العربية والتخاطب فيها.‏

أود التأكيد على تمسك الإنسان السوري بخاصة بلغته العربية وكان فخورا بغناها وفعلها كوسيلة للتعبير عن الفكر وقد جاء في كتاب الأستاذ العلامة فيليب حتي «السوريون في أميركا» مايلي:‏

«مازال الجيل الأول من السوريين ينظر إلى اللغة العربية نظرة تقرب من التقديس ونفوسهم لاتهتز إلا لدى سماعها وهم يتطلعون إلى خطيب عربي يخطب بينهم بلغتهم الأم وما فيها من غنى وموسيقا.. ولا يجدون مبررا أن يحاضر خطيب فيهم بأي لغة غيرها»..‏

ماذا قصد حتي بقوله هذا شمل المغتربين المغادرين من سورية الطبيعية لاسورية كما هي اليوم بحدودها الجغرافية المصطنعة، تحضرني قصة جرت في أقصى جنوب الشيلي نشرت في مجلة المسرة الصادرة في بيروت:‏

حين وصل البطريرك المغفور له مكسيموس الخامس حكيم إلى تلك البلدة النائية في يوم أحد راح يقيم قداسا في كنيستها الصغيرة ولم يكن هناك مصلون قط.‏

ما إن أنهى الصلاة حتى شاهد في زاوية الكنيسة رجلاً مسناً يجهش بالبكاء اقترب منه وسأله باللغة الإسبانية عما به فأجابه الرجل باللغة العربية قائلاً أصلي سوري، اغتربت منذ ستين عاماً وما إن علمت اليوم أن قسيساً عربياً يقيم صلاة هنا حتى أتيت لأسر وأطرب بسماع اللغة العربية.. التي فقدتها منذ اغترابي غمرني الفرح إلى درجة البكاء بهذه الصلاة «وأنا مسلم».‏

قصة تعني الكثير من التعلق باللغة كوسيلة حب وحنين للأرض.. وتلاق بين الناس.‏

أود أن أذكر مجلة الحكيم الفصلية الصادرة عن الجمعية الطبية العربية الأميركية وقد تعاونت معها سنوات وسنوات وساهمت في نشر مقالات أدبية فنية بالتعاون مع رئيس تحريرها الدكتور جورج يونان والدكتور وائل خوري وهيئة التحرير وكثيراً ما نشر لي حوارات ولقاءات ومواد علمية لأطباء وأدباء وكتاب عرب من البلاد العربية وأميركا.‏

لم تكن مساهمتي في تغذية المجلة بالمواد الأدبية والاجتماعية والثقافية والسياسية إلا لقناعتي التامة بجدوى المشاركة وبمدى تأثير صحيفة كهذه على العلاقات الصادقة والمخلصة بين أبناء الشعب الواحد إن وجد في سورية أو في دمشق أو في انحاء اميركا.‏

الكلمة الصادقة المحبة حمامة سلام تحلق وتجمع وتنشر المحبة بين الغرب والشرق مهما طال ابتعاد الإنسان عن بيته عن وطنه ومهما اندمج في مجتمعه الجديد فإن هذا الواقع لا يحول دون الحب والحنين والوفاء والإخلاص لأصوله.‏

جدير بالإشارة إلى أن جهوداً حثيثة بذلت وتبذل في بلدنا لسنوات عديدة للتواصل مع المغتربين والسعي لإعادتهم زائرين أو خبراء أو مقيمين.‏

أليسوا سفراء لنا غير المكلفين.‏

وكان صدر القانون 30 لعام 2007 لخدمة العلم قارب بين البدل المترتب على أبنائنا في الاغتراب وبين أخوانهم المقيمين في البلاد العربية.‏

أما بالنسبة لمن ولدوا في الاغتراب يعتبر دعوة صريحة لعودة شبابنا وأدمغتنا المهاجرة إلى الوطن وترحيباً بهم. إنه نداء بما معناه..‏

البلد بلدكم منه ذهبتم وإليه تعودون والأهل بانتظاركم..‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية