تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الوطن الـ أكبر من الكراهية!!

آراء
الخميس 18-8-2011
حسين عبد الكريم

الأحلام تشبه الناس.. والكوابيس تشبه الخيبات.. الحلم القزم لابد أنه مولود من رحم التعاسات والأفكار المغلقة مثل الحارات المتلاصقة بيوتها تلاصقاً شديد الضيق..

والحلم الفرحان ابن جيد للبساطة الجيدة والتسامح والتأملات السمحة..‏‏

جارة قديمة جديدة، درست في الجامعة، وظنت أنها تجاوزت حلمها القزم، لكنها كلما (دق الكوز بالجره) تأتيها الكوابيس والأحلام (تخرج برا).. تزوجت ظناً منها أنها تصبح حرة وتتفوق سعادتها على كآبتها، لكنها احتفظت بدروس الجامعة عن ظهر قلب، لا عن ظهر فهم، فما استفادت من المحفوظات إلا المحفوظات، ومن الكوابيس إلا الكوابيس، وكل وقت تقيم حفلة عيد ميلاد للغلاظات المتراكمة في حياتها وعيشها.. وقلبها لفته بلعنات يأسها وشحوب مقفر؟!‏‏

تركت الزوج والزواج، ولم تترك أحلامها المعفرة بغبار الكراهية والأحكام المسبقة عن الفهم والبشر والأرض والحجر والشجر.. وحين يأخذها الغفو ترى نفسها ممسوخة شجرة شوك وكأنها بالشوك تحمي ميراثها من العقد والبؤس الروحي..‏‏

صديقتها درست معها أو بعدها، لكنها حاذرت أن تصاب بوعكة الأفكار الملوثة بالكراهية، وابتعدت ما أمكنها عن الكوابيس.. أحبت، ثم فكرت أن تستفيد من أساليب صديقتها في الصدام والإقامة الجبرية تحت هيمنة الكوابيس والمعلومات والحياة الخاطئة..‏‏

سامحك الله أيتها الصديقة: كيف سمحت لمفاهيم صديقتك المعقدة أن تسطو على مفاهيمك الجيدة، وتسجنها في قفص الاتهام..‏‏

الصديقة الحبيبة، حين تنام يغافلها حلم كالغيمة اليابسة، التي لا تمطر، ولا تجيد العافية..‏‏

صديقات وأصدقاء آخرون قاموا برحلة قصيرة إلى أحلامهم:‏‏

(أبو طله) من جيل القمصان التفصيل، والأماني التي من شغل اليد.. لديه كل فصل رحلة إلى أحلامه: مرة رأى نفسه تلة عند مبتدأ القرية.. وفي فصل لاحق راقه أن يرى نفسه محباً وأباً.. وفي فصل ثالث زار أمنيته التي هي بيته الكبير.. وزيارته التي يعتبرها رئيسية وأساسية، نام فيها وتراءى له أنه وطن يتفرع باتجاه جميع الجيران والقلوب..‏‏

ريما فتاة تحاول الاقتراب من الأحزان والقراءة.. وحين تساعد أباها في ترتيب حاجات الدكان تنظر إلى أمنيتها وحلم يقظتها، ويخطر ببالها أنها قصة وطنية وحب وطني ونجاح في دروس الألفة الوطنية..‏‏

وهذه الريما ستنجح يوماً في شهاداتها وجامعتها.. النجاح في الحب الوطني مثل الهواء والضياء أساسي.. جارة أخرى تربطها قرابة حزن وحسن بأبي طلة وأولاده وبريما.. الجارة الفتية مثل سماقة جبلية راقية وحنونة ومثمرة، تمر ببال الشارع كالنسمة والكلمة، والعديد من الجيران الرجال والنساء يراقبون خلفها وقبلها وإلى جوارها بريقاً يتلألأ.. ماذا يطلقون على البريق المصاحب للجارة الحلوة السماقة؟‏‏

مرحبا؟ كلمة حب شابة؟ زنبقة من لحم وحلم ودم؟ بائع الورد والشجرات الصغيرة أراد يوماً أن يبيعها (شتلة حبق).. قلنا لها: الحبق يقتني حبقاً؟! ومن حينها الجيران مختلفون حول الحلوة الموظفة في دكان (أبو طلة) لبيع الألبسة النسائية: أهي شتلة حبق؟ أم هي سماقة جبلية رائقة؟‏‏

ويبقى السؤال الجميل برسم العبق وزهو السماقة..‏‏

صديقات أخريات أخطأن الرحلات إلى الأحلام.. فبدل الذهاب إلى الحلم، ذهبن إلى التعقيدات والأفكار المظلمة مثل الأقبية الممنوعة من التعامل مع الضوء ورحمة الشمس.. وصرن يخرجن على الحب بدل الحبق والسماق أشواكاً وضيقاً وغلاظات..‏‏

الوطن أكبر من الكراهية، مهما دللنا الكراهية ودللتنا.. وزيناها وأمطرناها بـ(المكياج) وعمليات التلميع والترقيع.. وأحياناً (الكراهيات الفرط) و(الكراهيات الجملة) تتحلى وتتسلى بالأوهام والدعايات المغرضة.. وهل تكون الدعايات غير مغرضة؟!‏‏

الوطن يشبه الأحلام الحلوة.. وحين تضيق بأحوال الناس الأحوال الوطن ملاذ آمن للحب المتبقي في الوجدان، مهما صغر حجم الحب وحجم الوجدان.. والقامة النسائية أو الرجالية تقاس بالحب وحجوم الوجدانات الخبيرة بسيادة الحب لا غطرسة الكره؟‏‏

الوطن أسئلة وجدانية جميلة.. ولا يحق لأية معقدة أو أي معقد أن ينحدر بالوطن إلى الأسئلة السيئة والرحلات المظلمة والأفكار التي لا تتنفس ولا تجد سبيلاً لملاقاة النور.. الأسئلة مؤونة مثل الزيت والخبز والخير.. محتاجون للأسئلة الحلوة بقدر حاجتنا للحب.. ومحتاجون لرقة الحبق وهمية العبق، وسماقة الألق.. ويصح في كل حين وموسم أن نحتاط لذواتنا بقليل من وطن جيد يشفي من الكوابيس ولا يمزق الذاكرة..‏‏

الصديقة الحبيبة سامحتها الأقدار، طلبت من حبيبها السابق استرداد الصور التي بينهما..‏‏

هل تسترد الذكريات أو تمزق؟!‏‏

الحب ذاكرة من النوع الثقيل والمؤبد.. والوطن ذاكرة الذاكرات ورعاية شاملة لكامل الوقت والحياة الجيدة..‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية