تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


صندوق العجب ترفيه نهاري في رمضان

استراحة
السبت 20-8-2011
محمد قاسم الخليل

عندما يتحدث بعضهم عن وسائل التسلية في رمضان قبل ظهور التلفزيون، يقتصر الحديث على الحكواتي والكراكوزاتي كشخصيتين بارزتين توفران المتعة, والتسلية في رمضان.

وكان الأطفال أكثر فرحا برمضان من الكبار, حيث يذهبون بعد الإفطار مباشرة إلى المقاهي ليشاهدوا الكراكوزاتي اعتماده على خيال الظل في تحريك شخوصه, وكانوا يبقون إلى وقت العشاء حيث ينصرفون، أما الحكواتي فلم يكن للأطفال منه نصيب حيث يخص حكاياته بمن يسهرون في المقهى حتى السحور، وكان ممنوعاً على الأطفال البقاء خارج المنزل بعد العشاء.‏

ومن الطرائف التي كانت تحدث آنذاك أن فقراء الكراكوزاتية كانوا يعرضون أعمالهم في الطريق, ويحمل أحدهم شمعة أو فانوساً ويحرك شخوصه بصعوبة لأن الهواء أحياناً يطفئ الفانوس وما إن ينتهي من العرض يتفرق الأطفال وهم يتضاحكون قبل أن يحصل على الأجرة من الأولاد.‏

وهناك وسيلة ترفيه لا تذكر إلا نادراً وهي (صندوق العجب) وبعضهم يسميه (صندوق الدنيا) ولم يكن يقل إقبالاً عن الكراكوزاتي، ولكن الفارق بينهما أن الكراكوزاتية كانوا يعرضون أعمالهم ليلاً، أما صندوق العجب فيعرض أعماله نهاراً ويمتد عمله إلى الأعياد.‏

وسبب هذا التباين أن خيال الظل يحتاج إلى ضوء يجعل ظلال الدمى ترتسم على الشاشة، أما صندوق العجب فيحتاج إلى ضوء طبيعي يدخل من إحدى زوايا الصندوق، لإظهار الصور الموضوعة داخل الصندوق.‏

كان رواد صندوق العجب من الأطفال، وقليلاً ما كان الكبار يتعاملون مع صندوق العجب، وهكذا اختص الكبار بالحكواتي، واختص الأطفال بصندوق العجب.‏

وقد أتيح لي أن أشاهد صندوق العجب في أحد الأعياد، وكان الصندوق على شكل أسطوانة مضلعة في بعض أجزائها، وله نحو ستة عيون، أي يمكن لستة أطفال أن يشاهدوا معروضات الصندوق في وقت واحد.‏

وهو ليس مجرد صندوق عادي، فهو مصمم بشكل أنيق، وقد يكون جسمه الرئيسي من الخشب وكان يصنع قديما من خشب يميل إلى اللون البني، لكن في مراحله الأخيرة كان يصنع من المعدن، وكانت مشاهدتي لصندوق معدني يميل لونه إلى الفضي، وكان صاحبه يحمله من مكان إلى آخر بيد وفي اليد الأخرى، حامل من ثلاثة أرجل يضع الصندوق عليه، وكان يجب على من يريد مشاهدة صوره أن يدفع أجرة المشاهدة أولا، لئلا يفر من دفع الأجرة بعد المشاهدة، وقد يسمح صاحب الصندوق لبعض الأطفال بنظرة خاطفة ليشجعه على مشاهدة صور الصندوق.‏

وكان صاحب الصندوق ينادي: تعال تفرج يا ولد، عجايبك عجايب يا ولد، أو ينشد: تعال تفرج يا سلام، ويذكر أسماء الشخصيات التي يعرضها، عنتر وعبلة، الزير سالم، الملك الظاهر، وغيرها من شخصيات السير الشعبية.‏

ومن ينظر من إحدى العيون سيشاهد صوراً جميلة ملونة شبه مجسمة، ومع كل صورة يذكر صاحب الصندوق اسم الشخصية كعنتر والزير وأبي زيد الهلالي وشخوص التغريبة الهلالية، وفي بعض الأحيان يعرض صورا لمواقع أثرية أو مدن مشهورة.‏

صندوق العجب وسيلة ترفيه جميلة، لكنها لم تأخذ حقها سواء من المشاهدة، وربما كان السبب أنها لم تكن تملك سحر الدراما الذي يمتلكه الحكواتي او الكركوزاتي، لأنها كانت بمثابة السينما الصامتة إذا قورنت بالسينما الناطقة، لكن من المناسب عدم تجاهلها، ومن المناسب ذكرها ضمن وسائل الترفيه التي كانت سائدة قبل ظهور السينما والمسرح والتلفزيون.‏

ومما لا شك فيه أنها كانت الأساس الذي انطلقت منه تجارب اختراع السينما، وكانت السينما تشاهد في البداية بواسطة صندوق شبيه بصندوق العجائب قبل أن تعرض على شاشة عريضة في دور خاصة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية