تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


حرب الخريف وطابورها الخامس

شؤون سياسية
السبت 20-8-2011
بقلم: عبد الرحمن غنيم

دعونا نطرح على أنفسنا السؤال الخطير التالي:

ماذا إذا تبين أن الفتن التي تثيرها واشنطن في مشرق الوطن العربي ومغربه هي مقدمة لحرب من المتوقع أن يشنها العدو الصهيوني ضدنا؟‏

ربما قال البعض: إن الحديث عن حرب كهذه هومجرد فرضية،وأنه لامؤشرات تدل على أنها محتملة الوقوع، ولكننا نقول إن هناك العديد من المصادر التي تحدثت عن هدف الحرب وعن الزمن الذي يتوقع أن تشن فيه، ومن هذه المصادر نذكر مايلي:‏

- توقع أفيف كوخافي رئيس المخابرات العسكرية الصهيونية هذه الحرب، وحدد الجهات التي يحتمل أن تستهدفها كل من سورية وإيران والمقاومتين اللبنانية والفلسطينية وأما موعدها فهو الخريف القادم.‏

توقع الجنرال احتياط عاموس يادلين رئيس المخابرات العسكرية الصهيونية السابق هذه الحرب في محاضرة ألقاها في شهر أيار الماضي في جامعة تل أبيب.‏

- توقع الأميركي روبرت باير وهو من مسؤولي المخابرات المركزية الأميركية سابقاً ومختص بشؤون الشرق الأوسط قيام إسرائيل بتوجيه ضربة لإيران أولأحد أطراف قوى الممانعة الأخرى في شهر أيلول المقبل وانضمام واشنطن للحرب ..‏

نستطيع أن نتعامل مع هذه التوقعات على أنها مجرد تخرصات ولكن حسن الفطن يفترض أن ننظر إليها بدرجة مامن الجدية وعندئذ فنحن أمام حرب محتملة الوقوع - ولانقول أكيدة- لاتفصلنا عنها سوى أسابيع قليلة ولكن إذا صح أن هذه الحرب آتية وأن التوقعات بصددها هي معلومات وليست تخرصات، فمعنى ذلك عملياً أننا نعيش مقدمات هذه الحرب منذ ستة أشهر على الأقل وأن كل محاولات إثارة الفتنة سواء في إيران أولبنان أوسورية يمكن اعتبارها جزءاً من عمليات التمهيد لهذه الحرب .‏

بل لعل عملية التمهيد هذه تشمل إشغال الأقطارالعربية الأخرى مثل السودان واليمن وليبيا في مشاكل داخلية تبعدها عن إمكانية إرسال قوات إلى جبهات المواجهة المحتملة، أما دول مجلس التعاون الخليجي فيبدو أنها اقتنعت بالادعاءات الأميركية التي تزعم بأن الخطر على أمنها القومي يتمثل بإيران وليس بالكيان الصهيوني.‏

والواقع أنه إذا صح أن هناك حرباً مبيتة بتنا على قاب قوسين أوأدنى منها، وسواء كان الهدف المباشر لهذه الحرب سورية أو إيران أو لبنان أوجميع هذه القوى فإن أهمية خاصة يجب أن تولى للموقف التركي بالذات، ونقول الموقف التركي لأننا نفترض أن العراق لن يكون قادراً على أداء دور العمق الاستراتيجي لسورية ولبنان، أو دور الجسر الذي تعبره القوات الإيرانية إلى جبهة المواجهة، خاصة وأنه لم يجر إخراجه بعد من سطوة المادة السابعة من ميثاق الأمم المتحدة، كما أن الولايات المتحدة تسعى لتمديد بقاء جزء من قواتها في العراق بعد العام 2011م ولعل أحد دوافع التفكير في اعتماد خريف العام 2011م للعدوان يتمثل في استغلال مرابطة القوات الأميركية في العراق كجزء من مستلزمات الحرب واستعداداتها، وعندئذ فإن الموقف التركي مهم للغاية. فهل ستقف تركيا إلى جانب سورية وإيران ولبنان أم أنها ستخضع لضغوط الولايات المتحدة والناتو، وتغلق طرق التواصل بين سورية وإيران عبر الأراضي أوالأجواء التركية.‏

وإذا كان مثل هذا السؤال يطرحه الاحتمال المستقبلي للعدوان المبيت الذي دنا موعده كثيراً فإن هناك جملة من الأسئلة يفرضها هذا الاحتمال في إعادة تفسير سلوك القوى الأخرى المختلفة، بدءاً من سلوك جماعة 14 آذار في لبنان، والمحاولات الرامية إلى إضعاف المقاومة اللبنانية بل والمطالبة بتجريدها من السلاح،مروراً بمحاولات إثارة الفتنة في سورية، وأدوار القوى الخارجية في تمويل وتسليح وتجهيز عناصر التآمر وتسخير فضائيات الفتن لإبقاء الفتنة مشتعلة والنفخ فيها كلما مالت إلى الانطفاء.‏

ومن المؤسف القول في مثل هذه الحالة إن كل الأشخاص المتورطين في الفتنة سيكونون في المحصلة قدأدوا دوراً مهد للعدوان المبيت، ولعبوا بذلك دور الطابور الخامس في خدمة عدو يتربص بالعرب الدوائر .‏

ولانملك في نهاية المطاف أن نفسر الدلالة النهائية لسلوكهم في إشغال سورية بمشاكل داخلية، ومحاولة إضعاف الاقتصاد السوري إلا على محمل التمهيد للعدوان الصهيوني- الامبريالي الشامل المحتمل.‏

ونحن حين نطرح مثل هذا الاحتمال نذكر بأن بعض من انخرطوا في الفتنة الراهنة هم ممن انخرطوا في الفتنة أواخر السبعينيات وأواخر الثمانينيات من القرن الماضي، وكانت فعلتهم آنذاك تمهيداً للعدوان الصهيوني التوسعي على لبنان في مرحلتيه: الأولى عام 1979م والثانية عام 1982م وقد احتل في الأولى جزءاً من جنوب لبنان، ووصل في احتلاله في الثانية إلى العاصمة بيروت نفسها.‏

ومن الواضح أن من استخدمتهم اسرائيل عبر وزير الخارجية الأميركي اليهودي الصهيوني هنري كيسنجر كمخلب قط ضد سورية ولبنان في ذلك الحين لم يتعلموا من التجربة ولم يتعظوا منها فعادوا يكررون الفعلة نفسها في خدمة سياسة أميركية تحركها المخططات الصهيونية.‏

وإن مثل هذا الاتهام المنطقي، لابد وأن يتسع ليشمل كل تلك الجهات التي ساهمت في التآمر على سورية، وانخرطت في إثارة الفتنة وخاصة تلك التي تملك وتوجه فضائيات الفتن.‏

فهذه الجهات جميعاً تكون قد أدت دوراً في خدمة العدو الصهيوني وحلفائه الامبرياليين وساهمت بشكل عملي في التمهيد للعدوان الصهيوني وسلوكها على هذا النحو يرقى إلى مستوى الخيانة العظمى .‏

ولايستطيع هؤلاء التذرع بأنهم لم يكونوا يعلمون بفحوى المخطط العدواني الصهيوني وأن أميركا قدخدعتهم.‏

ولكن مثل هذه الذرائع لايمكن أن تكون كافية لتبرئتهم من مسؤولية الفعل الإجرامي المدمر الذي أقدموا عليه،خاصة وأنهم يدركون جيداً حرص واشنطن المعلن والمكشوف على تأكيد المطابقة بين أمن إسرائيل وأمن الولايات المتحدة ومصالحها في المنطقة، وبالتالي فإن من يخضع نفسه لأهواء الولايات المتحدة وخططها إنما يخضع نفسه لأهواء إسرائيل وخططها، ولايستطيع أن يتنصل من المسؤولية المترتبة على اعتماد مثل هذه السياسة التخاذلية التي يوظف فيها نفسه عميلاً في خدمة الامبريالية والصهيونية.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية