تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


أفغانستان.. ومراوحة واشنطن في المكان والزمان!

شؤون سياسية
الأثنين 22-8-2011
حكمت العلي

يتزايد الوضع الميداني في أفغانستان سخونة بالمقدار ذاته الذي يتزايد فيه التخبط السياسي بين القوى الرئيسية في البلاد وتحديداً فيما إذا كانت القوات الأجنبية ستخرج من البلاد عام 2014 أو لن تخرج،

خاصة وأن الوهن الذي يصيب القوات الأفغانية في مفاصلها يبدو أنه من الاستفحال بحيث يمكن أن نقول أن زمناً طويلاً من النقاهة والعلاج يلزمه كي يستطيع الوقوف على رجليه والتصدي لقوة المسلحين المتصاعدة التي يعجز الناتو نفسه عن لجمها والحد من توسعها وتمددها!‏

فمع تواصل سقوط الناتو ( وقدرة المسلحين على اسقاط مروحيات له) واستهداف مستشار الرئيس وقبله مقتل شقيقه يبدو أن ما وصل إليه تقرير مجموعة الأزمات الدولية، منطقياً وواقعياً ، حول فشل المجتمع الدولي في جعل أفغانستان بلداً مستقراً من الناحيتين الاقتصادية والسياسية على الرغم من ضخ مليارات الدولارات في هذا البلد مع اقتران ذلك بعدم تبلور سياسة أو استراتيجية متماسكة أو واضحة حوله.‏

فمع اقتراب موعد انسحاب القوات الأجنبية من هذا البلد لا تزال مؤسسات الدولة فيه هشة وغير قادرة على توفير الحكم بشكل جيد أو تقديم الخدمات الأساسية لغالبية السكان أو ضمان الأمن فيما لا زالت المساعدات الدولية رهينة بسياسات الدول المانحة وخاصة واشنطن، فضلاً عن قسم كبير من هذه المساعدات يذهب هدراً بسبب سوء آليات المراقبة والتنفيذ واستفحال الفساد وهدر أموال المساعدات ما يعني أن هذا البلد سوف يبقى يئن تحت رحمة الضغوطات الخارجية وضعف الاقتصاد خاصة وأنه يعتمد بشكل كبير على المساعدات الخارجية التي تقدر بنحو تسعين بالمئة من إنفاقها مع تردد الكثير من المانحين الدوليين في مواصلة تقديم المساعدات نظراً لنقص القدرات والفساد المستشري في البلاد.‏

فتوقعات الكثير من المحللين والمراقبين العسكريين بتحسين الواقع الميداني بعد مقتل زعيم القاعدة أسامة بن لادن ذهبت أدراج الرياح مع استمرار سخونة الميدان وسقوط المزيد من الجنود الغربيين يومياً وهو الأمر الذي ربطته مصادر أخرى بتسريع سحب القوات الأميركية المخطط له هذا الصيف أو عدم تسريعه واعادة انتخاب أوباما في العام القادم.‏

ولن يفيد بأي حال من الأحوال وقبيل الانتخابات الأميركية تواصل التقارير التي تصور تحسن الأوضاع الميدانية في أفغانستان في محاولة يائسة لتحسين صورة إدارة أوباما مع تزايد ضغوط الجمهوريين عليه وقرب موعد الانسحاب المزمع وتسليم المهام الأمنية إلى القوات الأفغانية.‏

اللافت أن تزايد هذه التقارير يتجاهل حقيقة تواصل تساقط قتلى الناتو بما فيهم الجنود الأميركيون في هذا البلد والتي كان أشدها سقوط المروحية ومقتل قرابة الثلاثين عسكرياً في الحادث ليدل ذلك علىتواصل الكذب الأميركي حول حقيقة ما يجري في أفغانستان والتي أصبحت سمة بارزة للسياسة الأميركية على مختلف المستويات.‏

فالتقارير السابقة والتي تحاول لبس ثوب التقدم والتحسن وإحراز تقدم ملموس ووضع حركة طالبان تحت ضغط غير مسبوق قابلة اعتراف البنتاغون نفسه بأن هذا التطور «هش» وهو ما يعيد إلى الذهن السياسة الأميركية القديمة الجديدة في هذا البلد حول تردد عبارات تحسن الأوضاع الأمنية في أفغانستان وهي عبارات درج أيضاً قادة حلف الأطلسي على التصريح بها فوق المنابر ولكن حرارة الواقع الميداني هي عكس الأسقف الآمنة التي يجتمع تحتها قادة الحلف وزعماء دولة فيما يتساقط جنود التحالف ويتزايد قتلاهم وسط أوضاع أمنية وسياسية بالغة التعقيد في هذا البلد.‏

اللافت أيضاً أن هذه التقارير تزامنت مع إعلان المسلحين مواصلة استهداف القوات الأجنبية وقوات الأمن الأفغانية على حد سواء وستطال هجمات المسلحين المراكز العسكرية وأماكن التجمعات والقواعد الجوية والذخيرة والقوافل اللوجستية العسكرية للقوات الأجنبية وهو الأمر الذي أكدت جديته مصادر استخباراتية غربية محذرة أن هجمات المسلحين سيتزايد فيها هجمات الانتحاريين وهو الأمر الذي سيعقد من مهمة تسليم المهام الزمنية للقوات الأفغانية وليبقى المدنيون هم أكثر المتضررين من وراء غزو هذا البلد واحتلاله والذي لن تخرجه من محنته تخبط الناتو في اختراع الاستراتيجيات وتجريب الحلول التي ثبت فشلها. ولن تكون دعوات زيادة الدعم لجهود التدريب سوى صرخة في واد لن يستجيب لها أحد من دول الحلف بسبب الصعوبات المالية والاقتصادية واللوجستية التي تمنع إرسال المزيد من القوات المقاتلة إلى أفغانستان ، ليس ذلك وحسب بل وإرسال المدربين لإنقاذ الوضع الحرج لقوات الأمن الأفغاني والتي تعاني أصلاً من الضعف والتفكك وضعف الولاءات ونقص الإمكانات المادية واللوجستية حيث ليس باستطاعتها مواجهة المسلحين الذين يبدون علىالأرض تماسكاً أكثر وقدرة على الأعمال العسكرية ومعرفة بطبيعة الحرب الدائرة أكثر من الجيش الأفغاني الذي قد تعوزه هذه الصفات.‏

وسبق لدول الناتو القيام بتقليص الميزانية المخصصة لدعم نشاطات الحلف العسكرية، بالرغم من صدور تقارير من الناتو نفسه تفيد وتقر بتصاعد القتال مع حركة طالبان وصدرت تصريحات من قيادة البنتاغون الأميركي أن سبب ارتفاع عدد الضحايا في صفوف الناتو يعود على ارتفاع أعداد القوات ما يدل على أنه مؤشر لفشل استراتيجية أوباما من جهة كما يدل ذلك في نفس الوقت على التخبط الغربي في استنباط الاستراتيجيات والتي ثبت فشلها الواحدة تلو الأخرى غير مدركين أن الاحتلال هو الذي يجلب الخراب والاقتتال للدول التي تقوم واشنطن بغزوها واحتلالها تحت ذرائع مختلفة ومن ضمنها أفغانستان التي ينتشر فيها أكثر من 150 جندياً أجنبياً وبالرغم من تكرر اعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما مواصلة استراتيجية الحرب على أفغانستان ، سعى البنتاغون إلى تبديد المخاوف من صعود جديد لحركة طالبان بعد مقتل 30 جندياً أميركياً في سقوط المروحية وهو ما يبقي الأمور على حالها في هذا البلد من حيث المراوحة في المكان حتى من ناحية التصريحات الأميركية !‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية