|
الجولان في القلب وتعني الغرفة كبيرة وواسعة للعيلة حيث يتم مدّ الفراش وتنام العيلة كلها في الغرفة ولا أنسى جلوسي مع والدي ووالدتي وأنا صغيرة أساعدهم في إطعام الدواب وتتنهد أم فارس وتقول: بعد لبن الجولان ما في لبن والأكل كان من العشبة التي تطلع على الأرض دون زراعة وندعوها الزراعة البعلية وهيك كانت العيشة في الجولان..
أما طعامنا فهو عبارة عن أكلات فلاحين مثل «الشيشبرك» يبرق عريش - أي ورق العنب - والكوسا المحشي والباذنجان المحشي البرغل على البندورة، وبرغل المجدرة واللبن حواليه. وأنا الآن عدت بذاكرتي إلى أيام الطفولة وأتمنى في هذه اللحظة بالذات أن تعود تلك الأيام وإذا عشت قد عمري الذي عشته أتذكر حياتي في ضيعتي فأنا فلاحة بنت فلاح وأولادي الآن درسوا وكل شيء متوفر أمامهم.. ومع حياتي في المدينة التي نعيشها الآن لا تزال تراودني ذكريات الجولان فالدجاج بلدي والقمح ذرة عربية أو حوراني وهو ما يعرف بالقمح السوري المشهود له.. وحتى الآن أطبخ المتبلة وكتير من الأقارب يقولون لي عندما تطبخينها تذكرينا وأعزمهم عليها مع العلم أنني كبيرة في السن (عمري 70) عاماً إلا أنني مع كل حبة قمح أسلقها أتذكر قريتي الحبيبة مع العلم أن هذه الأكلة تحتاج إلى بال طويل وجيل هالأيام لا يتعب نفسه ويحب الأكلات الجاهزة والسريعة ولكنني حرصت على تعليم بناتي بعض الأكلات الجولانية لأنني اعتبرها من تقاليدنا مثل رأس العين وأشجار التين والدبكة في ساحة القرية والأعراس وأيام رمضان حيث أذكر أن المسحراتي في وقتنا كان يحمل تنكة ويدق عليها وينادي على كل بيت باسمه بالقول ياأبو فلان... حان موعد السحور.. وهكذا حتى يدور كل بيوت القرية المتلاصقة مع بعضها وكأنها بيت واحد... حتى لباسنا الفلوكلوري إذا صحت التسمية كنا نخيطه عند الخياطة ولايزال مطبوعاً في ذاكرتي كيف كان أهلي يخيطون لنا الثياب الطويلة والعريضة حتى نلبسها أكثر من سنة. وتلفت أم فارس نظرنا إلى أن أهل القرية عندما دخل التعليم إليها التحقوا به وتقول ضاحكة حتى يتعلموا من جهة ويرتاحوا من العمل في الحقل فهو شاق ومرهق بالنسبة إليهم. ومعظم أهل قريتنا يعملون في سلك التعليم وربما هذا هو السبب وراء ذلك.. أما عن نفسي فلم أتابع تعليمي لأنني كنت الكبيرة في العيلة بين الصبيان والبنات وأمي تعتمد علي في رعاية أخوتي أثناء غيابها عن المنزل في العمل بالحقل وجلب الحطب وتجميع الزبل فالمرأة في تلك الأيام تعيش إرهاق العمل وتعبه أما الآن فهذا الجيل لم ير من التعب شيئاً فهو يعيش مرفهاً وكل شيء بين يديه ومن عاش في تلك الفترة يشعر بالفرق ورغم ذلك التعب أتمنى لو تعود تلك الأيام وأتنفس هواء قريتي الحبيبة التي أشعر أن الرجوع إليها بات قريباً. |
|