|
رسم بالكلمات الورقة الأولى تأخر زوجي كثيراً في العودة إلى البيت, وكعادتي كل مساء, سأرتشف القهوة وحيدة. عندما سأعاتبه على تأخره غير المبرر, سيشيح بوجهه عني كأنه يأنف النظر إلي. هذه الحركة تذكرني بالرجال الذين التقيتهم مصادفة, في أي مكان, فما إن يرى واحدهم قبح وجهي حتى يشيح عني, ولا يعيد النظر إلي أبداً. .قيل: أن تكون المرأة قبيحة, معناه أن لا تتلذذ بالعيش, إلا بنصفه, لكن زوجي يرى أن للقبح فضائله أيضاً,.فهو يريحه من شعور الغيرة الجنونية علي.. حيث لا يمكن لأحد أن يأبه بامرأة قبيحة. الورقة الثانية يردد زوجي المقولة ذاتها كل مساء: لو كان الفقر رجلاً لقتلته, لكن الفقر ليس رجلاً, إنه ألم نعانيه, ونرفض أن نعتاد عليه. في إحدى المساءات عاد زوجي مخموراً, وأخذ يتحدث عن صفقات فاسدة, ومرتشين, وعن مستنقع قذر يرفض الغوص فيه, عن رجال يحاربونه في لقمة عيشه. قهقه في تلك الليلة, وهو يتحسس جيوبه الفارغة, قهقه حتى البكاء. الورقة الثالثة تحول جسدي إلى مجموعة من الخرائط زرقاء اللون. ضربني البارحة كما لم يفعل من قبل. إنه ينتقم من ظلم الدنيا بضربي, لكنني لا أستطيع أن أحقد عليه, لأنه سيعتذر نادماً, والحنان يقطر منه. ما أجمل انحناء الرجال أمام دمع امرأة. الورقة الرابعة سأدخل غرفة المخاض بعد ساعات قليلة. سأنجب طفلي الموعود. أشعر بمغص شديد وألم يلتف حول ظهري, يضغط بقوة. أشعر أنني أواجه الموت. يا الله ساعدني.. الورقة الخامسة كعادته كل صباح, يمسك القلم ويبدأ بكتابة قصته الأثيرة على نفسه. ينسى قهوته, وسيجارته تحترق وتأكل نفسها بنفسها. يعيد ترتيب الأحداث كما يشتهي. ( الصغير يودعنا, يحمل حقيبته ويمضي مسرعاً إلى المدرسة. يصعد الحافلة المليئة بالصغار. يجلس على أحد المقاعد يشعر بالمغص, فيقرر أن ينزل من الحافلة عائداً إلى البيت حيث تستقبله أمه مبتسمة مرحّبة) بعد أن ينتهي من ترتيب أحداث القصة يناديني. ألبي نداءه, وأقرأ ما كتب وأنا أردد: لاحول ولا قوة إلا بالله! يارجل.. في كل يوم تكتب القصة ذاتها مع تغيير بعض التفاصيل, هل تظن أن ماتكتبه سيغير الأقدار؟! لكن زوجي يبتسم سعيداً بقصته. يجمع أوراقه بحب, ثم يمضي إلى عمله ويتركني للذكرى المؤلمة ولدموع لا تجف. منذ أن توفي صغيرنا بحادث سير تعرضت له حافلة المدرسة, وزوجي لايكف عن ترتيب الأحداث على الورق بالطريقة التي تحلو له, وفي نهايات قصصه يخرج ابننا سالماً لم يمسه أذى! الورقة السادسة انتهى وقت الدوام. صاحب المعمل يطلب منا أن نستعد لمغادرة معمله. أفنيت عمري وأنا أعمل في هذا المكان, أخيط ثياباً للنساء.. ثياباً ملونة من الساتان, والقطن, والحرير سترتديها النساء إرضاء لأزواجهن. كل قطعة أخيطها أتخيل أنني أرتديها لرجل أنتظره منذ سنوات, ينقذني من عنوستي ووحدتي, رجل وهمي مازلت أكتب عنه مذكراتي الوهمية.. أتخيله قاسياً.. حنوناً شريفاً يمنحني أطفالاً يولدون.. يموتون.. يمنحني أملاً أعيش لأجله. |
|