|
مجتمع أسرى مشاعرنا .. وبحسب رأي الكثير من التربويين وعلماء النفس أنه يجب ألا تؤثر العواطف والمشاعر على سلوكنا وتصرفاتنا، فنحن عقلانيون وعلينا ان نتحكم بأنفسنا وألا نخضع لسيطرة الغضب او الحزن او الابتهاج او المصيبة لأننا نملك الوعي وبإمكاننا ان نخلق في أنفسنا شعور المحبة او الكره او الحقد ولكن مهما تخيلنا نظرياً هذا التدمير الشامل للمشاعر فإن ذلك من الناحية العلمية مستحيل التحقق، إذ اننا غالبا مانقع في قبضة مشاعرنا ،ففي طريق العقل ندرك ان زميلنا في العمل الذي وجه إلينا النقد الحاد كان محقاً في تصرفه ومع ذلك فنحن نكن له الحقد وحتى الكره ،وهذه المشاعر موجودة لدى كل فرد وهي تقيد العقل الواعي ويمكن ان توجه سلوكنا الى طريق الضلال، فهناك من يسمح لنفسه في ثورة الغضب العارم بإهانة صاحبه الذي يتصوره بلا حق إنساناً حاقداً ونرى انسانا آخر يجهش في هذه الحالة بالبكاء . وتشير البحوث الى ان حياتنا منذ الولادة وحتى الشيخوخة مليئة بالانفعالات التي ترافق ما يحدث لنا من وقائع صغيرة او كبيرة ومهما فكرنا وحاولنا التصرف بشكل عقلاني ودقيق وأكدنا على الدور الرئيسي للوعي في حياتنا فإن المشاعر ستبقى ملازمة لنا ولن تسمح للأجيال المتلاحقة العيش بهدوء وسكينة بل ستساهم بصورة فعالة في توجيه سلوكها حسب مشيئتها، فوجهة النظر هذه تعتمد على اساس علمي محدد. الانفعالات تعكس حاجاتنا .. كما أن الانفعالات تعكس حاجات الانسان التي تكون بمثابة القوة المحركة لنشاطه فالحاجات بالذات المادية منها والروحية تدفع الانسان لممارسة أوجه النشاط المختلفة كالبحث عن الغذاء عندما يشعر بحاجته للطعام ،كما أنه يجب لفت الانتباه الى ان ليس كل حاجة تترجم لدى الفرد بالضرورة الى تصرف عملي، فالكثير من الرغبات والحاجات تبقى في حدود الامنيات فقط اما لأسباب خارجة عن ارادة الانسان او بسبب كسله وتقاعسه او لاعتقاده بوجوب خنق مثل هذه الرغبات في نفسه ، او لأنه ببساطة لايملك الطاقات الكامنة لتحقيق مايحلم به ،فحتى تولد الرغبة او الحاجة نشاطاً عملياً موجهاً لتحقيقها يلزم في اغلب الاحيان وجود حلقة اضافية تتمثل بالانفعال النفسي، فالانفعال الذي يشمل تصورات عن الاشياء الخارجية المؤثرة واشكال الحالات الفيزيولوجية عند الانسان يصبح برنامج عمل وتأثر والحاجة بانعكاسها من خلال انفعالات عملية تجعل تصرفات الانسان وأفعاله قوية ومندفعة . مترابطة مع شخصية الانسان .. وتوضح نخبة من الباحثين ان الانفعالات التي تتولد خلال علاقاتنا المتبادلة مع الاخرين يمكن ان تتحول الى مشاعر ثابتة للصداقة والتعلق او النفور وتنعكس على سلوكنا وتصرفاتنا ، فإذا شعرنا ان الآخرين يكنون لنا المحبة والاحترام والتقدير ويرغبون في تبادل النصيحة معنا فإننا نقبل على عملنا ببالغ السرور والخفة اما اذا كانت العلاقات داخل الجماعة متوترة وغير طبيعية فإننا لانشعر بالرغبة للذهاب الى العمل ولايجري العمل لدينا بصورة موفقة ،كما أن الأبحاث المتعددة تشير الى ان المناخ النفسي السليم في الجماعة والمشبع بالمشاعر الدافئة وبهجة الاختلاط والمعاشرة والمشاعر الحميمة والمحبة والتي يبديها كل فرد تجاه الاخرين تعمل على رفع وتيرة انتاجية العمل، اما النفور المتبادل والمشاحنات والخصومات والنزاعات فإنها تؤدي الى خفض المقدرة الى حد كبير. فالمشاعر مترابطة بصورة وثيقة مع شخصية الانسان وسلوكه وتصرفاته فسماتنا الخلقية وقدراتنا الإرادية تتجلى في اغلب مظاهرها بصورة مشبعة بالانفعالات وليس عبثاً أن يقوم الباحثون بإبراز السمات الانفعالية كمميزات رئيسية للطبع الانساني مثل الشجاعة والجبن والوقاحة والخجل وحب الاختلاط والانانية والتعجرف، فهذه الصفات تحمل في طياتها هذا الشعور او ذاك كمركب ممكن وضروري، كما انها تتشكل في ظروف المعايشة المستمرة لهذه المشاعر حيث يمكن للإنسان ان يصبح شجاعا او متخاذلا طيبا وخدوما او انانيا عزيز النفس مترفعا وشريفا او مشاغبا وحسودا وذلك بمقدار ما يتعايش مع الانفعالات ،كما أنه يمكن للكثير من الصفات الارادية للإنسان أن تنشأ على اساس هذه الاشكال من المعاناة او تلك . |
|