تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


المشـــكلات الأسريـــة.. بـــين الدوافــع المجتمعيـــة والفرديــة

مجتمع
الأثنين 22-8-2011
غصون سليمان

المشكلات الأسرية واحدة من أبرز العناوين الحاضرة في قاموس المجتمع حيث نسمع هذه العبارة على الدوام في جلساتنا ونقاشاتنا وما يصدر من هنا وهناك، وبالطبع فإن لهذه المشكلات أسباباً مجتمعية من صنع المجتمع وأسباباً فردية من صنع الفرد،

وبرأي علم النفس فإن العوامل المجتمعية تبقى ذات تأثيرعام خارجي ولكنها تتصل اتصالاً وثيقاً بالأسرة والعلاقات الزوجية والأسرية وتؤثر فيها إلى حد كبير.‏

ويؤكد الدكتور محمد عبد الله- قسم علم النفس جامعة دمشق في هذا السياق أن نتائج هذه المسألة تعتمد على مدى قدرة الأفراد وعطاء الأسرة على مواجهتها ومقاومة آثارها، بحيث لاتؤثر تأثيراً مباشراً بالعلاقات الزوجية والأسرية، مشيراً إلى جملة من العوامل المجتمعية ومنها على سبيل المثال لا الحصر التطور، التحضر، الهجرة الداخلية حيث أصبحت الأسرة الصغيرة في النمط السائد في المجتمع كماهو معروف تتأثر تأثراً كبيراً بالتصنيع، بالتغيير والتطوير ما يؤدي ربما إلى حالة من عدم الوفاق والانسجام مابين الزوج والزوجة على اعتبار متطلبات الحياة تحتاج إلى سلع منزلية من قياس الغسالة والبراد الكبير والفريزه وشاشة البلازما وكل مايتعلق بوسائل الترفيه ماينعكس على الأسرة سلباً أو إيجاباً، من ناحية إذا كانت الأسرة غير ميسورة اقتصادياً والزوجة لها متطلباتها الخاصة بالمنزل، مايجعل هذان الزوجان في حالة شجار وخلافات سرعان ماتنعكس سلباً عليهما وعلى الأولاد وهذا بالطبع سبب من الأسباب المجتمعية.‏

مجالات متعددة‏

والسبب الآخر الذي يجده الدكتورعبد الله في هذا الإطار هو خروج الزوجة للعمل وفق مقتضيات العصر وإيقاعه، فيما كانت المرأة تشاطر الرجل العمل الزراعي في مراحل معينة، لكن نتيجة التغيرات التكنولوجية والحضارية أصبح هناك مجالات متعددة للمرأة -ولابد منها- وهي الخروج للعمل مايجعل البعض على خلاف مع الزوج، إذ لايقبل بعض الأزواج أن تعمل الزوجة خارج المنزل علماً أن هناك حاجة ودافعاً اقتصادياً لخروج المرأة ومساهمتها في العمل.‏

وأضاف أنه على العكس من ذلك فالتنمية تظل قاصرة وناقصة إن لم تشارك المرأة الرجل في التنمية، فكيف يتم النهوض إذا لم يتم تفعيل أدوات التنمية والتطور المنوط بعمل كل من المرأة والرجل معاً.‏

ومن جملة الأسباب المتعلقة بالخلافات الزوجية ارتفاع سن الزواج الذي يؤدي عند البعض إلى انحرافات سلوكية وصعوبة الاختيار للزوجين، حيث التكافؤ في السن والثقافة والدخل والعمل وهذاماقد يؤدي إلى صعوبة تكيف الشريكين في الحياة الزوجية السعيدة.‏

إضافة لذلك ماقد ينجم عن تأخرعملية الإنجاب ما يقلل من الاستمتاع بحياة أسرية متكاملة ،الأمر الذي يؤدي لحدوث خلاف وشجار يكون سبباً من أسباب الصراعات الأسرية، كما لم تغب عن هذه القضايا أيضاً مسألة صراع الأجيال ولاسيما أن السلطة الأبوية هي التي تسيطر على الحياة الأسرية، فيما التغيرات الكثيرة في المجتمع جعلت نسبة مهمة من الشباب يستقلون اقتصادياً واجتماعياً عن آبائهم وربما أجدادهم، وإلى درجة عدم تقبلهم لأسلوب الحياة التي يعيشها كل من الآباء والأبناء بطريقة متعاكسة، بمعنى قد يكون هناك ربما عدم تقدير الشباب لحاجات الكبار من أفراد الأسرة من حيث سرعة الحياة وألوان الترويح عن النفس والحاجة للهدوء والراحة كل ذلك أدى إلى مناخ من الشدة والقسوة فيما هؤلاء الأفراد يريدون الاستمتاع بوقت الفراغ دون أن تكون لهم حياتهم، علاقاتهم الاجتماعية، نتيجة التطور الحضاري والتكنولوجي، مايدلل على أنه مازال هناك صراع بين الأجيال، جيل الآباء والأبناء، الصغار والكبار، ولذلك كله تبدأ حالة من الخلاف داخل الأسرة وتؤدي إلى حدوث خلافات زوجية.‏

وفي ذلك أيضاً يدخل موضوع الهجرة كسبب آخر في الخلافات الزوجية التي قد تكون داخلية من القرية إلى المدينة وأحياناً تكون الهجرة داخل القطر بقصد الدراسة أو العمل، فالغياب المستمر عن الأسرة والمرأة ربما يخلق حالة من الخلافات والصراعات بين الزوج والزوجة حسب نوع الهجرة داخلية أم خارجية.‏

الأسباب الفردية‏

أما فيما يتعلق بالأسباب الفردية لحدوث المشكلات الأسرية أو الأزمات العائلية وحسب تقدير الدكتور عبد الله هو عدم توافر المقومات الأساسية لمعيشة الأسرة من الناحية الاقتصادية والاستقرار واختلاف فلسفة كل من الزوجين في الحياة.‏

والأمر الثاني :هواختلاف في المستوى الثقافي عند الزوجين ولاسيما التعليمي، فالزوج ربما معه مؤهل جامعي والمرأة أقل مستوى والعكس صحيح.‏

وقد يكون الزوج مهندساً والزوجة معها شهادة ابتدائية أو إعدادية، هذا النوع والاختلاف في الأفق الثقافي للزوجين يخلق حالة من الشجار وبالتالي عدم التوافق الزوجي، مع ملاحظة أن هناك عاملاً آخر صيغته طغيان شخصية أحد الزوجين على الآخر بشكل ملموس، وهذا أيضاً من الأسباب الفردية، فالأب يريد أن يكون هو الآمر الناهي والكلام الأول والأخير له.. وقد تعارض المرأة هنا هذا السلوك وتقول بل أنا صاحبة القرار في الأسرة، فتبدأ الخلافات حول من سيكون سيد القرار في الأسرة داخل الجو العائلي، ماينعكس سلباً على جو الأسرة والأولاد.‏

والجدير ذكره كذلك هو انعدام العواطف الأسرية مثل عاطفة الحب والحنان والتعاون والتسامح، المشاعر، الأحاسيس، الكرامة وهذه جميعها تلعب دوراً كبيراً إذا ماتوافرت بدور توفيقي تنقذ جو الأسرة من الكآبة إلى السعادة والإيجابية.‏

وهذه حسب رأي الدكتور عبد الله تعتبر من الأسباب الفردية الدائمة المؤدية إلى حدوث أزمات داخل الأسرة، إلى جانب تدخل الأقارب في العلاقات الزوجية «الأخ الأخت العم الخال».. وحتى الجيران بحيث تعيش العلاقة الأسرية، حالة من التوتر التي تزيد من حجم الأزمة.‏

ولعل من ضمن الأسباب الفردية المؤدية للخلاف، قلة الوسائل الترويحية وعدم الوفاء والإخلاص والوضوح والصراحة في المعاملة الزوجية، وإن كان هناك سبب آخر على درجة عالية وكبيرة من الأهمية وهو تعدد الزوجات ومايتصل به من مشكلات تؤدي إلى خلق حالة من التوتر في المحيط الأسري، مايجعل الصراعات تتعقد داخل الأسرة، الأمر الذي يتطلب من الجميع التروي والتأني في الاختيار ودراسة موضوع الشراكة من مختلف جوانبه وحسب راحة كل فرد مادياً ومعنوياً.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية