|
إضاءات كانت الهدف لكل من مر على التاريخ من غزاة وطامعين وطامحين ،فالإمبراطورية الرومانية لم تحكم قبضتها على المنطقة إلا بعد سيطرتها على سورية الطبيعية وكذلك الفتح الإسلامي وقيام امبراطورية عربية إسلامية لم يتحقق ويكتمل إلا بعد أن أصبحت دمشق عاصمة لها وكذلك لم تتسع الإمبراطورية العثمانية وتستطيل إلا بعد دخول العثمانيين حلب ودمشق بعد معركة مرج دابق وعندما فكر نابليون بتأسيس إمبراطورية فرنسية انطلق من مصر إلى بلاد الشام حيث وئد مشروعه عند أسوار عكا السورية فعاد القهقرى من حيث أتى والثورة العربية الكبرى ضد الحكم العثماني جرى التخطيط لها في دمشق وفيها اي دمشق أقيمت أول دولة عربية كان فيصل ملكا عليها أريد لها أن تكون نواة لمملكة عربية تمتد من الحجاز إلى العراق وتشمل آسيا العربية . وبعد الاستقلال عن فرنسا أصبحت سورية هدفا ثابتا للمشاريع الاستعمارية والقوى الغربية خاصة بعد استزراع الكيان الصهيوني الاستيطاني لقناعة لدى ساسة الغرب ومفكريه ومنظريه مؤداها أن من يرد السيطرة على المنطقة فالمدخل والبوابة هي سورية لاعتبارات جيوسياسية وجيوثقافية تشكل ثابتاً في الوضع السوري على مدى عقود التاريخ، فسورية كانت ومازالت الثابت في عقول استراتيجيي الغرب ومراكز دراساته الإستراتيجية ولعل كتاب باتريك سيل الصراع على سورية يختصر الحديث عن هذا الموضوع لأن يفسر بالتحليل التاريخي الموضوعي والمنهجي أسباب الصراع على سورية بين كل القوى التي تعاقبت على المنطقة أو مسرح الأحداث فيها . وبعيداً عن المقطع أو المقاطع التاريخية لمسار ومآل تلك الصراعات لابد لنا في الوقت الحاضر من الإضاءة السريعة حول طبيعة وأهداف ما يجري على الساحة السورية في إطار استثمار الحراك الشعبي الحاصل فيها ومحاولة دفعه باتجاهات ومسارات أخرى تتقاطع فيها مصالح ومطامع ومشاريع وقوى بحدين تكاملي وتناحري وبحسب منطلقات وأهداف كل مكون منها وعلينا هنا أن نتذكر أن سورية كانت منذ فجر الاستقلال وحتى منتصف الستينيات من القرن الماضي ساحة صراع مكشوف بين قوى كبرى بعد انقسام العالم إلى معسكرين شرقي وغربي حيث سعى كلاهما بشكل مباشر أو غير مباشر على استقطاب سورية إلى محوره ودورانها في فلكه وهنا يمكننا أن نتذكر مبدأ سد الفراغ الذي أطلقه الرئيس الأميركي أيزنهاور وكذلك حلف بغداد الذي انيط ببريطانيا لتكون الحاضن الرسمي له وكيف كان التكالب الغربي على سورية بهدف ربطها به وهو ما دفع الشعب السوري ثمنا له تبدى في حالة عدم الاستقرار التي لفت الحياة السياسية السورية منذ عام 1949 وحتى قيام ثورة آذار عام 1963 وتركت آثاراً بالغة على مجمل الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية فيها , وعلى الرغم من أن ثورة البعث قد حسمت خيارات سورية السياسية وهويتها الوطنية والقومية إلا أنها لم تستقر فعلياً إلا بعد عام 1970عندما قامت الحركة التصحيحية التي قادها الرئيس الراحل حافظ الأسد حيث شهدت فترة حكمه التي امتدت لثلاثين عاماً استقراراً سياسياً لسورية وانتقالاً نوعياً لدورها العربي والإقليمي تمثل في أنها تحولت من دولة يتصارع عليها اللاعبون الدوليون والإقليميون إلى مصارع لتلك القوى ومنتصر عليها في أكثر من ساحة، فالتموضع السوري القوي على الخريطة السياسية العربية والإقليمية يشهد به الجميع . هذا التحول الاستراتيجي في دور سورية اصطدم بمشاريع وقوى أخرى في المنطقة تريد لعب نفس الدور وتنال ذلك المركز، وخاصة أن سورية استطاعت منذ ذلك التاريخ وحتى الآن وفي ظل قيادة الرئيس بشار الأسد أن توسع دائرة دورها الإقليمي والدولي وتقيم علاقات إستراتيجية مع قوى إقليمية وازنة، ما أشعر العدو الصهيوني بفقدانه لحلفائه التقليديين وأن الدائرة بدأت تضيق عليه ولاسيما أن القوى المقاومة له اكتسبت حلفاء جدداً وتم تحييد قوى أخرى كانت تشكل له بديلاً (جيواستراتيجي) نظراً لمحدودية جغرافيته وقلة عدد سكانه . إذاً ثمة جغرافيا سياسية بدت مرتسماتها ونتائجها تظهر على الأرض لا تروق للكيان الصهيوني وحاضنته التاريخية أميركا زادها تبدلاً وخلطاً للأوراق ما حدث في تونس ومصر وما شكله مبدئياً من خسارة إستراتيجية للعدو الصهيوني وأميركا فإسرائيل فقدت بسقوط مبارك ماجرى تسميته (كنزها الاستراتيجي) فثمة خوف من الوافد الجديد ولابد للأميركي والصهيوني من حركة إستراتيجية تعوض ما تمت خسارته أو على الأقل تدارك تداعيات ما يجري بما يمكن تسميته (ضربة استباقية) ولكن بمفعول استراتيجي يعيد الروح لمشروع الشرق الأوسط الجديد الذي بشرت به رايس والذي سقط على أيدي المقاومة اللبنانية المدعومة من سورية وإيران وهنا وجد الأميركي والإسرائيلي وملاحقهما في المنطقة الفرصة الذهبية بقطف ثمار الحراك الشعبي السوري واستثماره وتوظيفه بما يخدم مشروعهما المهزوم الموءود . هنا تعود لعبة الصراع على سورية ومعها لتكون على طاولة اللاعبين القدامى والجدد والطامحين أيضاً بدور إقليمي بعد شعورهم أن ثمة فراغاً في المنطقة قد حصل بسبب تراجع دور القوى المحلية العربية وهنا تعود لعبة سد الفراغ من جديد، فالكعكة العربية أصبحت ناضجة ومغرية وتبدو قليلة الكلفة عند البعض لآن المطلوب فقط هو إثارة شهية الجوار وخاصة من حمل منهم أوهاماً تاريخية لازالت تعيش في مخيلته في ظل شعوره بفائض القوة لديه واعتقاده ضعف الآخر وعلى هذا الوتر تم العزف لنرى أصدقاء الأمس أصبحوا مخلب القط وهنا كان على السوري الذهاب إلى حافة الهاوية دفاعا عن كرامته بل ووجوده لأنه لم يعتد أن يكون ورقة في سوق البورصة السياسية وهو ما حصل فعلاً ما جعل أولئك الذين أخطؤوا الحسابات والبوصلة يعودون إلى رشدهم ويعيدون حساباتهم ويقرؤون حجومهم كما هي لا كما خيل لهم، فاللعبة أكبر منهم ولا طاقة لهم بحمل ونتائحها وتداعياتها المباشرة والمستقبلية . |
|