|
معاً على الطريق أما الاقتصار على المفهوم دون الحالات المحددة , وعلى العام دون التفصيل والتشخيص , فليس إلا محاولة لاختطاف الجدوى , وتفريغ الخطاب من محتواه , الأمر الذي يترافق غالبا مع حماسة متشنجة في الانحياز إلى العنوان دون المتن , لأنه يقدم للزاعقين شهادة حسن سلوك , دون أكلاف أو أثمان. وهكذا نجد إجماعاً على إدانة الفساد , حتى إنك تحار كيف لهؤلاء الفاسدين أن يستمروا في صولاتهم وجولاتهم رغم التوافق على إدانة الفساد . أما تحديد المذنبين فيضع الجميع أمام مسؤولياتهم , ولاسيما المتورطين منهم , سواء تمثل الجرم بالصمت وغض النظر أم بمد الذراع , كما يعني المطالبة بالقصاص , ما يهدد بإيذاء نافذين أو أعزاء , إن لم نقل إنه قد يمس مباشرة صاحب الخطاب الأخلاقي الناصع إلى حد الإبهار , أو حتى العمى . في هذا الإطار , إطار رفض المقاربة المحددة ورجم المحددين , نقرأ الحملة العنيفة تجاه مسلسل ( سوق الورق ) , مع أن كاتبته السيدة آراء الجرماني لم تسم أحداً أو تحدد منصباً , بل إنها اخترعت وظيفة لاتعرفها جامعة دمشق , لكنها استلهمت بالتأكيد شخصياتها المتخيلة من نماذج واقعية . رفض أطروحة المسلسل وتوعد القائمين عليه ممن تربطهم بالجامعة صلة ما , يعني أحد أمرين , إما أن المؤسسة المعنية هي الجنة الوحيدة المعقمة على الأراضي السورية , ولم تعث فيها فيروسات الفساد , أي إننا أمام يوتوبيا مثالية منشودة لم تتمثل على أرض الواقع في أي من بقاع الدنيا , سوى في الجامعة التي افترض القائمون عليها أنها المعنية بحكايات الفساد وسبل مكافحته ... الأمر الثاني : هناك فساد وهناك فاسدون , لكن الجميع متوافقون على التعتيم، لأن الدوائر متشابكة والتداعيات متتالية والعواقب جارفة . قد لايكون المدافعون متورطين , لكنهم ينظرون إلى المؤسسة والعاملين فيها كعشيرة ما يوجب التمويه على أخطائهم وخطاياهم , وهذا مالا يليق , بل يتنافى مع مؤسسة حداثية تنويرية . |
|