تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


إعادة تدوير النفايات في لوحة جدارية بانورامية..تقنية التجميع والتشكيل تؤدي دوراً ثقافياً

ثقافة
الخميس 25-8-2011
أديب مخزوم

يشكل العمل البانورامي التشكيلي المنجز على طول امتداد حائط سور مدرستي بسام حمشو والبيروني والمركز التربوي للفنون التشكيلية في حي التجارة، والذي يتجاوز طوله المئة وستين متراً وعرضه أربعة أمتار،

حلقة جديدة في طريقة التعامل مع النفايات الصناعية الآتية من المهملات الفاقدة القيمة، والتي تم تحويلها إلى عناصر تشكيلية حديثة ومعاصرة، لها ملامسها وإيقاعاتها وجمالياتها الخاصة، وهو مايطلق عليه في الغرب بإعادة تدوير النفايات والقطع المرمية والمنسية.‏‏

مقاومة تقلبات المناخ‏‏

فقطع السيراميك والخزف والزجاج والمعدن والعلب والقوارير والأواني والعجلات وغيرها تحولت في هذا العمل الجداري البانورامي، إلى إشارات ورموز وزخارف عفوية متجاورة ومتداخلة ومثبته بمواد لاصقة ومقاومة لتقلبات الجو والمناخ والحرارة والرطوبة ولمسات الريح وحركة العواصف والمطر.‏‏

ولقد طرح فكرة العمل وأشراف على إنجازه الفنان التشكيلي موفق مخول، الذي قام بتقسيم الجدار إلى أجزاء، ثم أخذ كل مشارك أومشاركة قسماً خاصاً بتشكيلاته القادمة من طريقة التجميع والإلصاق.‏‏

ولقد حاولت إخفاء دهشتي حين علمت بمشاركة ثلاث فتيات في العمل وهن: ليال نصر الله وصفاء ورجاء وبّي، إضافة لمشاركة ناصر نبعة وعلي سليمان وهو غير الفنان التشكيلي المعروف، وهؤلاء من مدرسي ومدرسات مادة التربية الفنية والنسوية.‏‏

ولقد رعت مديرية تربية مدينة دمشق العمل وكانت نتائج المشاركة إيجابية، بدليل أن بعض أهالي الحي ساهموا في توفير بعض المواد المستخدمة في العمل، ولهذا يمكن أن تتكرر هذه التجربة في أماكن أخرى نظراً لنجاحها في استقطاب الجمهور والتعرف إلى وسائل تعبيرية حديثة مغايرة لمألوفهم، حتى إن بعض الزوار شرعوا بالتقاط الصور التذكارية لهم بجانب مقاطع من هذه الجدارية البانورامية.‏‏

فن الجدار الحديث‏‏

ومن خلال تأملات هذه الجدارية يستطيع المشاهد أن يستشف فيها العناصر الإيقاعية البصرية الأكثر مغامرة وجرأة وحداثة وتواصلاً مع معطيات الفنون الحديثة والمعاصرة.‏‏

إنها خطوة جريئة تتفق في مدلولاتها الإيقاعية والتجريدية مع اتجاهات الفنانين المحدثين المنخرطين في موجات التجميع أو التركيب أو التجهيز، بعد أن تحولت المدن الاستهلاكية الممكنة والمبرمجة إلى عالم من القمامة والنفايات.‏‏

ويمكن اعتبار العمل كجزء من فن الإشارة والتجريد الزخرفي العربي وفن الجدار الحديث، الذي ينطلق من رغبات التواصل المباشر مع الجمهور، حتى إن كل مقطع من هذه الجدارية يشكل مدخلاً لاستشفاف جماليات الفن الفسيفسائي والموزاييك الشرقي والمحلي، رغم إلغاء عناصر التكرار والتناظر في الوحدات الزخرفية وتقديمها بطريقة عفوية وارتجالية ومعاصرة.‏‏

وعلى هذا لانستطيع أن نقف أمام العمل، حتى في أقصى مقاطعه التشكيلية العبثية، وذلك لأن الجدارية تؤدي في النهاية دوراً ثقافياً، في عصر تداخلت فيه التقنيات والوسائل التعبيرية، وضاعت فيه القيم الإنسانية والتشكيلية والفنية.‏‏

ألوان السيراميك‏‏

وتقنيات إحياء المواد المهملة تؤكد أن ديمومة البقاء أقوى من دائرة الفناء والزوال والموت، ولاسيما أن الجدارية تعيد الحياة إلى قطع السيراميك المكسرة ببريق ألوانها الزاهية والصريحة.‏‏

واللافت أن موفق مخول لم يتخل عن أسلوبه الفني في خطوات إشرافه أو تحديده خطوط الجدارية وتقسيماتها الأساسية، إذ ثمة علاقة متبادلة ومتداخلة تبرز بين إيقاعاته الزخرفية العفوية المتواجدة في لوحاته وبين الإيقاعات البصرية الزخرفية المقروءة في هذه الجدارية، وهذا لايقلل من أهمية الاختبار والبحث التقني والتشكيلي المبذول من قبل المدرسات والمدرسين الخمسة.‏‏

ويذكر أن الجدارية تحيط بمدارس تابعة لوزارة التربية ومختصة بتدريس وإعداد مدرسة الفنون وتأهيلهم للمناهج الدراسية الجديدة، كما سيقيم المركز التربوي للفنون التشكيلية في تلك المنطقة ورشات للفن المعاصر.‏‏

إضافة لاستقطاب معارض فنية في صالته الخاصة.‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية