تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الحروب الاستباقية في الاستراتيجية الإسرائيلية

شؤون سياسية
الخميس 25-8-2011
غالب حسن محمد

للسياسة حروبها أيضاً، ولكن بوسائل أخرى. فهي لها حروبها الاستباقية أيضاً، التي تتبناها مع مفاهيم ما بعد الحداثة بالمعنى الذي تكرسه العولمة.

تعتمد الحروب الاستباقية على اجهاض الخصم، وتدمير كل الوسائل التي تمكنه من تحقيق أي نصر، وهذا ما مارسته السياسات الصهيونية خلال الأعوام الماضية من اجهاض للمشروع الفلسطيني في تحقيق حلمه في إقامة دولته على أرضه المحتلة، وهذا ما تكرسه السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية بمحاولتها الضغط على أكثر من ثلاثين دولة في آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية لمنعها من الاعتراف بالدولة الفلسطينية ، هذا من جهة ومن جهة أخرى افتعال عقبات أمام أي مشروع تسوية للقضية الفلسطينية وذلك بمباركتها لاستمرار الاستيطان في الأراضي المحتلة، الاستيطان الذي يراوح في مكانه منذ عدة أعوام بينما سمي التجميد والتجديد، ومضاعفة النشاط الاستيطاني وانتشاره على كامل التراب الفلسطيني، والذي يقترن من جهة أخرى بتهجير ما تبقى من الفلسطينين في أراضيهم.‏

في المقابل كانت ردود الفعل العربية محصورة بالتنديد والشجب الممنوع من الصرف على أرض الواقع وربما انتهى هذا الشجب في خطاب استهلاكي سرعان ما تتلاشى أصداؤه في النطاق الإقليمي.‏

لقد دأبت السياسات الصهيونية وعلى مدى خمسين عاماً إلى اختصار وتحجيم الصراع العربي الصهيوني إلى صراع إسرائيلي فلسطيني، حتى هذا الصراع نراه يتعرض لعمليات تدجين من خلال معاهدات سلام ولدت ميتة معاهدات سلام منفردة، ولكن القضية أعقد من ذلك، فالشوائب الصهيونية لاتزال تشكل محور الصراع الذي عبرت عنه وتعبر الحكومات الصهيونية المتعاقبة منذ ولادة الدولة العبرية الغاصبة على أرض فلسطين، هذه الثوابت التي يتم استبعادها من كل المفاوضات وهي عودة اللاجئين، والقدس المقدسة، والاستيطان وما يعنيه من تهجير لمن تبقى من عرب فلسطين.‏

نحن أمام عدو يشاهر بأهدافه على الملأ، تهويد مدينة القدس الإسلامية العربية، وتأيبدها عاصمة للدولة العبرية، وإقصاء موضوع اللاجئين، والمطالبة بالاعتراف بيهودية الدولة.‏

ألم يكن حري بالعرب أمام هذه المجاهرة بذلك أن يقفوا وبقوة في مواجهة هذه السياسات، بدل الوقوف موقف العاجز الذي يحاول خلخلة هذه الثوابت.‏

وذلك بالجلوس على عتبات القوى الدولية، وانتظار المتغيرات العالمية، دعونا نعود إلى قبل الحداثة وخطاب النصف الأول من القرن العشرين لنشكل درعاً واقياً لصد مثل هذه الحروب الاستباقية، وخصوصاً في مجال السياسة.‏

لا شك بأن القدس كانت ومازالت مند بداية المشروع الصهيوني تعتبر الهدف المحوري، وذلك بالاعتماد على المقولات الدينية التي تعتمدها السياسات الصهيونية لدعم مشروع الدولة اليهودية. أو ما يسمى الوطن القومي لليهود وتأسيس الكيان الصهيوني.‏

لقد كان من الأولويات الأساسية لحرب عام 1967، السيطرة وإحكام قبضة الكيان الصهيوني على مدينة القدس ، تمهيداً لإعلانها عاصمة أبدية لدولة« إسرائيل».‏

من هنا استمر النهج الصهيوني العدواني على المقدسيين الفلسطيني في محاولة لاقتلاعهم أو تهجيرهم إلى مناطق أخرى، وكذلك هدم المنازل وانتهاك حرمة المسجد الأقصى بوتيرة مستمرة من الحفريات حوله بغية اثبات المقولات الدينية بيهودية القدس، الأمر الذي يشكل انتهاكاً صارخاً للتاريخ، وانتهاكاً للحق والعدالة وطمس معالم الوجود المقدسي الفلسطيني، إضافة إلى الوقوف في وجه الشرعية الدولية، وكل ذلك بدعم أميركي سافر، حيث سارعت الإدارة الأميركية إلى الاعتراف بالقدس عاصمة أبدية « لإسرائيل» اليهودية.‏

وبالرغم من كل الانتهاكات الصهيونية المخالفة للقانون الدولي ، والشرعية الدولية، جاءت ردود الأفعال العربية والإسلامية والشرعية الدولية، دون المستوى المطلوب، حيث لم تتجاوز أبجديات التنديد والاستنكار والشجب، وهاهي القدس المقدسة ترزخ تحت معاول الصهاينة التي تعمل الهدم والتهجير، وبناء الكتل الاستيطانية الاستعمارية والتي تكاد تطبق على المدينة كلها.‏

وهنا جاء دور القرارات السياسية الصهيونية الأخيرة باعتبار مدينة القدس أفضلية قومية أولى، أي محاولة إغراء المستوطنين الصهاينة بناء المستعمرات الاستيطانية على أراضي المدينة المقدسة.‏

وتكثيف التواجد اليهودي على حساب المقدسيين العرب الفلسطينيين، تمهيداً لتهويد المدينة وتأسيساً اعتبارها العاصمة الأبدية لدولة العدوان، وفي نفس السياق جاء القرار الصهيوني الذي اتخذته حكومة الكيان العنصري بضرورة حصول أي قرار بالانسحاب من القدس الشرقية، على أغلبية الثلثين، أو عرضه على الاستفتاء العام، لجعل أمر الانسحاب مستحيلاً، استحالة مطلقة، أليست هذه القرارات صوراً من صور الوقاحة الصهيونية وتعدياً على القانون الدولي والشرعية الدولية، كيف يكون انسحاب المحتل الغاصب حقاً له أو يعتبره تنازلاً، وكيف يستفتي على أملاك غيره؟ هل يستقيم هذا مع أي منطق في العالم، إلا المنطق الصهيوني صاحب الباع الطويلة في انتهاكات الحقوق الإنسانية.‏

كيف تكون القدس المقدسة العربية الإسلامية عاصمة لليهود وليس للكيان الصهيوني فقط.. إنه المشروع الصهيوني منذ نشأته الأولى وحتى يومنا هذا.‏

إنها القدس جوهر الصراع الصهيوني العربي فماذا نحن فاعلون؟!‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية