|
استراحة أما النكهة الخاصة بالمقهى أيام زمان، فكانت في الاستماع إلى الحكواتي أو التسلية بما يعرضه الكركوزاتي. وكانت أكثر ما تكون عامرة بالرواد في شهر رمضان.
ومن المفارقات أن تزدهر المقاهي في هذه الأيام رغم مئات الفضائيات مما يجعل تفسير ازدهار المقاهي أن الرجال يفضلون السهر في المقهى بعيداً عن البيت حيث طلبات الزوجات وشغب الأبناء. وتواصلت المقاهي اليوم مع التقنيات المعاصرة، فقد أزاحت الحكواتي جانباً لتضع في مكانه تلفازاً عملاقاً يراه الحاضرون من جميع أركان المقهى. ولم يكن استحداث أماكن الشرب واللهو جيداً على المجتمع العربي، فمنذ الجاهلية كانت الحانات ملتقى هواة الشراب، ولكن الكثيرين كانوا يعتبرونها من الأمكنة غير المستحبة، لذلك اقتصر روادها على مدمني الخمر، وعندما قدم أبو بكر العيدروس من اليمن ومعه البن أو القهوة، وفي مطلع القرن السادس عشر بدأ انتشار أمكنة خاصة لشرب القهوة، ولم يجد كثيرون حرجاً في ارتيادها. ويتجاوز عمر المقاهي اليوم خمسة قرون، وتعيدنا كتب التراث حول بدايات المقاهي إلى زمن السلطان سليمان القانوني، وفي بداية عهدها شن عليها بعض المتعصبين حملة لإغلاقها، كما حرموا القهوة، لسبب وحيد وهو أنها لفظ قهوة من أسماء الخمر، ولم يدم تحريمها إلا خمسة عشر عاماً. فبعد وفاة السلطان سليمان عام 1566 أعيد فتح المقاهي بفضل جهود المتنورين من العلماء والسلاطين، واستبدل تحريم القهوة بمدحها والحث على شربها، ثم ازدهرت المقاهي إلى درجة أن المقاهي انتشرت في وسط المدينة حتى قيل فيها: (بين كل مقهى ومقهى يوجد مقهى). وأدى انتشار شراب القهوة في دمشق إلى ازدهار المقاهي. ومن ولاة دمشق الذين أسهموا في بناء المقاهي (درويش باشا) الذي أنشأ مقهى بالقرب من سوقه سمي مقهى الدرويشية، وجاء بعده الوالي سنان باشا فأمر سنة 1568 ببناء مقهى بالقرب من سوقه، وقد ذاع صيت هذا المقهى فيما بعد وقيل عنه إنه من أجمل مقاهي دمشق لترتيبه ونظافته واتساعه، وأنشأ أسعد باشا العظم العديد من المقاهي في أنحاء المدينة عرف منها (مقهى الشاغور) سنة 1705، وأنشأ الدفتردار فتحي القلانسي مقهى قرب (حمام فتحي) في حي الميدان، ومن المقاهي القديمة في دمشق ولا تزال قائمة (قهوة النوفرة)عند الباب الشرقي للأموي. ويذكر المهتمون بعمران دمشق عدة مقاه قديمة منها (مقهى العصرونية) قرب قلعة دمشق، ومقهى الصوفانية الذي أنشئ في حديقة تحمل ذات الاسم قرب باب توما، وتظهر الصور الملتقطة للصوفانية أن أغلب روادها من الأجانب. وازداد عد المقاهي وكانت تتوضع على جانبي بردى وقرب ساحة المرجة, وبدأت تقدم أنواعاً جديدة من الترفيه، فتقدم الغناء والفصول المسرحية والمنولوجات الانتقادية، فكانت بداية النهاية للحكواتي والكركوزاتي. ومن المقاهي الشهيرة التي لا تزال قائمة مقهى الكمال الصيفي جانب صالة الكندي، ومقهى الحجاز جانب محطة الحجاز، ومقهى الهافانا تحت مبنى النادي العربي، وكانت هذه المقاهي مكاناً لاجتماع المثقفين والسياسيين. وثمة مقاه شهيرة اندثرت بسبب التنظيم العمراني، منها على سبيل المثال (الرشيد) أو اللونا بارك وكان في موقع المركز الثقافي الروسي، وفي اللونا بارك صورت مشاهد من ثاني الأفلام السورية الصامتة (تحت سماء دمشق) عام 1932. ومنها أيضاً مقهى البرازيل وكان خلف جامع الطاووسية، ومقهى الفاروق وكان يقع مقابل مبنى المحافظة في مكان مبنى وزارة الاقتصاد، ومقهى الكمال الشتوي خلف وزارة الداخلية، مكان صالة غازي المغلقة. |
|