تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


تداخــــل الفنــــون

رؤيـــــــــة
السبت 27-8-2011
أديب مخزوم

انفتاح لغة الفن التشكيلي على مختلف الفنون (موسيقا، شعر، مسرح...) يعمل على توطيد وتعزيز وتطوير تعبيرية النص التشكيلي،والمعروف أن جذور هذه المحاولات تعود إلى تجارب بيتهوفن الذي تمنى لو كان للموسيقا قدرة الكلمة في التعبير عن أعماله،

وهذا ما دفعه إلى الاستنجاد بقصيدة شيلر في سمفونيته التاسعة. وتمنى فاجنر لو أن الصوت يستطيع أن يوحي باللون أو يستطيع اللون أن يوحي بالصوت،ثم ظهرت محاولات دمج الفن الموسيقي مع الفن التشكيلي مع تجارب كاندينسكي وبول كلي كمنطلق اختباري متماسك مع هواجس التعبير عن إيقاعات طراوة وحيوية موسيقا اللون وتقاسيمه المرئية المسموعة بالعين. والفنان المعاصر يضع ضرباته اللونية المتتابعة على سطح اللوحة ليصوغ باللمسة إيقاعية اللون ونسيج الإحساس، الذي يفتت العناصر التشكيلية الواقعية ويبرزها كنوتات موسيقية متدرجة في تناغمها وتوهجها، فالدمج ما بين الغنائية والعقلانية في توزيع اللون أي ما بين الإيقاع العفوي والهندسي، وتداخل السطوح والحركات اللونية، ثم التحول لإظهار علاقة الخط بالمساحة والكتلة بالنقطة أو بالخط وما إلى ذلك من إيقاعات تشكيلية متنوعة، يوصلنا في نهاية المطاف إلى تنويعات النغم الموسيقي البصري وتبدلاته الإيقاعية، واللوحة الحديثة على هذا الأساس تبدو كصفحات من نوتات موسيقية ملونة كسوناتات أو سمفونيات أو مقطوعات منسابة كتداعيات أو رغبات أو ذكريات حاضرة في سياق التأليف والتلوين التشكيلي الذي يوحي بالموسيقا.‏

هكذا أصبح الفنان المعاصر وبطريقة سحرية قادراً على توءمة الموسيقا بالفن التشكيلي، من خلال كتابة فصول تكاوين عناصره البصرية أو ما يسمى بالإحساس التلقائي في صياغة حركات اللون العفوي المتتابع دون توقف، والذي تتوالد من إيقاعاته مؤشرات الإحساس بالموسيقا البصرية. فالفنان يلعب هنا بحرية في الأشكال والألوان والخطوط كما يمكن أن يفعل المؤلف الموسيقي بالألحان الموسيقية وبمعنى أدق تصبح اللوحة نوتة موسيقية للمقطوعة المرافقة بحيث يمكن الإحساس بها عن طريق العين، فالمؤثرات البصرية التي تكوّن موسيقا اللوحة يمكن قراءتها على أساس تنويعات النغم الموسيقي الافتراضي المرافق للرسم.فعمق الفن التجريدي الحديث يكمن في الاستفادة من الإمكانات اللامحدودة لموسيقا الألوان والخطوط العفوية، وهو الأكثر قدرة على اطلاق الإيقاعات اللونية الغنائية التي توحي بالموسيقا البصرية في المدى التشكيلي. ولايمكن في هذا المجال وصف أو تحديد تموجات الحركة اللونية لأنها مرتبطة باحتمالات لا متناهية على مستوى توليد الإيقاعات الموسيقية البصرية وتحددها فروقات مرهفة شديدة الحساسية، تساهم فيها تضاريس المادة اللونية ولمسات الفرشاة وارتجافاتها الانفعالية والعاطفية ومداها الفيزيائي الطبيعي وتنوع الدرجات اللونية وتوضع الطبقات الكثيفة والشفافة وغير ذلك من المؤثرات البصرية اللامتناهية.‏

adibmakhzoum@hotmail com‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية