تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الشركات النفطية الأميركية وتدمير البيئة في نيجيريا

شؤون سياسية
السبت 27-8-2011
توفيق المديني *

بعد الغزو الأميركي للعراق ، خاضت الولايات المتحدة الأميركية حرباً أخرى لا تقل حدة من الناحية العسكرية ، ولكنها بالأهمية الاستراتيجية عينها ، في سبيل السيطرة على النفط الموجود في الصحراء الجنوبية الإفريقية ، حيث قال السيد والتر كانشتاينر،

مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون الإفريقية في عهد إدارة بوش السابقة ، إن نفط القارة السوداء «بات يشكل مصلحة قومية استراتيجية للولايات المتحدة».‏

وليس خافياً على أحد أن الاهتمام الأميركي بالنفط الإفريقي يعود إلى الاحتياطات الهائلة من النفط التي تختزنها القارة بنحو 80 مليار برميل، أي ما نسبته 8 في المئة من الاحتياطي العالمي الخام ، الأمر الذي سيجعل الولايات المتحدة الأميركية من الآن وحتى العام 2015 ما نسبته 25 في المئة من نفطها من الصحراء الإفريقية وذلك مقابل 16 في المئة في الوقت الحالي.‏

وضمن هذا السياق ، أصبحت القارة الإفريقية تنتج أكثر من 4 ملايين برميل يومياً ، وهو رقم يفوق ما تنتجه كل من إيران وفنزويلا والمكسيك مجتمعة . ففي عشر سنين زاد انتاجها بنسبة 36 في المئة مقابل 16 في المئة لباقي القارات، فيما ستزيد نيجيريا الدولة الافريقية الأولى في تصدير النفط الخام ، انتاجها بين 2،2 و 3 ملايين برميل يومياً في الوقت الحاضر ، قبل أن ترفعه إلى 4،4 ملايين برميل في العام 2020.‏

رغم أن النفط يعتبر ثروة وطنية حقيقية لأي بلد يمتلك كميات كبيرة منه ، فإن المفارقة هنا تكمن في أن النفط يجعل العديد من البلدان الإفريقية تزداد فقراً ، والسبب في ذلك أن المستفيد الوحيد من النفط هي فئات أوليغارشية أو أوتوقراطية ، على حساب السواد الأعظم من السكان . وغالباً ما تعمق «لعنة النفط» الفوارق الطبقية والاجتماعية في البلدان الافريقية، وتغذي مؤسسة الفساد لدى السلطات الحاكمة، وتخدم مصالح الشركات النفطية الكبرى، وفضلاً عن ذلك فإن الكارثة التي تحدثها «لعنة النفط» إضافة إلى عدم المساواة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، تتمثل في تدمير البيئة في المناطق التي تعمل فيها الشركات النفطية الاحتكارية .‏

هذا ما أكده التقرير الذي صدر عن برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة «يونيب» في 4 آب الجاري ، هو الأول من نوعه في نيجيريا ، ويستند إلى بحث علمي معمق استغرق سنتين ، حيث تحدث التقرير عن واحدة من أكبر الكوارث البيئية في العالم، في دلتا النيجر في نيجيريا جنوب شرق البلاد، وأوضح التقرير أن شركة شل الأميركية وشركات بترول أخرى قامت على مدار نصف قرن بعملية تلويث ممنهج وفشلت في تنظيف 1000 كيلو متر مربع من منطقة «أوجونيلاند» التي أدت إلى عواقب مدمرة على صحة البشر والحياة البرية بالكامل .‏

لقد بدأت شركة النفط الأميركية «شل» في استغلال النفط في دلتا النيجر عام 1956، ونظراً لتسرب النفط ، وحرق المواد النفطية ، فقد أسهمت شركة شل في إحداث أضرار جسيمة وبالغة الخطورة في نيجيريا ، ولكنها دأبت على إنكار ذلك لعقود طويلة ونجت بفعلتها ، مدعية أنها تعمل وفقاً لأفضل المعايير الدولية . ويقدم البحث الذي أجري بناء على طلب الحكومة النيجيرية ودفعت تكاليفه شركة «شل» أدلة لا تدحض على الأثر المدمر للتلوث النفطي على حياة الناس في منطقة الدلتا - وهي واحدة من المناطق الأكثر تنوعاً من الناحية البيولوجية في إفريقيا . ويفحص التقرير الأضرار التي لحقت بالزراعة وصيد السمك ، حيث دمر التلوث وسائل العيش ومصادر الغذاء .وتتمثل إحدى أشد الحقائق خطورة التي ظهرت إلى العلن في حجم التلوث في مياه الشرب ، الذي عرض المجتمعات المحلية لمخاطر صحية جسيمة ، الأمر الذي أثار في النهاية غضب الشعب الأوغوني ، الذي يبلغ تعداد سكانه 800000 شخص .‏

وفي ضوء هذا التدمير المنهجي للبيئة ، تأسست (الحركة من أجل بقاء شعب الأوغوني) في عام 1990 ، وقامت بتنظيم عدة حركات احتجاجية للفت أنظار السلطات المحلية ، سرعان ما قمعت على الفور من قبل الحكومة العسكرية في ذلك الوقت ، التي دعمت شركة شل .‏

في عام 1990 ، قتل 80 متظاهراً في قرية أوموشيم . وفي عام 1993 ، نظم زعيم الحركة ، الكاتب النيجيري المعروف كين ساروويوا ، مظاهرة حاشدة جمعت 300000 من الشعب الأوغوني . وبعد ذلك بعامين، تم اعتقاله وحوكم وأعدم بعد محاكمة صورية ، انتقدتها بشدة منظمات حقوق الإنسان في العالم . وأدت هذه الحرب شبه الأهلية لانقطاع إنتاج النفط في البلاد الأوغوني في عام 1993 . ولكن ظلت هذه التسريبات مستمرة ، وذلك بسبب سوء صيانة خطوط الأنابيب التي تعبر الأراضي وأعمال التخريب المتكررة التي كانت تستهدف تحويل النفط لتكريره بشكل غير قانوني.‏

وقال مدير برنامج القضايا العالمية في منظمة العفو الدولية أودري غوفران ، الذي أجرى بحوثاً حول آثار التلوث في الدلتا على حقوق الإنسان ، إنه «يتعين على شركة شل أن ترفع يديها استسلاماً ، وأن تواجه الحقيقة التي تؤكد أنها يجب أن تعالج الأضرار التي تسببت بها . وأن محاولة الاختباء خلف أفعال الآخرين ، في الوقت الذي تعتبر فيه هذه الشركة أقوى فاعل على المسرح ، لن ينجح في غسل ذنبها . ولن يكون هناك حل للتلوث النفطي في دلتا النيجر ما دامت شركة شل مستمرة في التركيز على حماية صورتها على حساب الحقيقة وعلى حساب العدالة ».‏

كما تفضح النتائج التي توصل إليها التقرير الفشل الذريع للحكومة النيجيرية في تنظيم ومراقبة عمل شركات من قبيل شركة شل . ووجد برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن واضعي الأنظمة في نيجيريا ضعفاء ، وأن وكالة التحقيق في البقع النفطية في نيجيريا غالباً ما تعتمد كلياً في عملها على شركات النفط .‏

ومن جهة أخرى فإن تهاون الحكومات العسكرية النيجيرية المتعاقبة يجعلها تتحمل قسطاً من المسؤولية، نظراً للتداخل الشديد بين الدولة النيجيرية هو نفسه مرتهن وبالكثير لمصالح الشركات النفطية الاحتكارية ، ولاسيما شركة «شل» الأميركية ، التي عمدت إلى إخضاع أجهزة الدولة النيجيرية وترويضها.‏

وهذا التدخل من جانب الشركات النفطية الاحتكارية الأميركية ، على أساس قواعد نظام العولمة الاقتصادية ، في شؤون الدوائر الرسمية النيجيرية قد ولّد خلطاً بين القانون العام والقانون الخاص . ففي الواقع أن الأمور الرسمية لا تدار وفقاً للقوانين العامة للادارة الرسمية وإنما وفق القواعد القانونية للحق الخاص . فمعظم الرؤساء النيجيريين لا يفكرون كرؤساء جمهورية ضامنين للمصلحة العامة وإنما يتصرفون كرؤساء مجالس إدارة . فإدارة قطاعات النفط تفضي إلى تصرفات عشائرية وحتى إلى الولاءات الاقطاعية ، من توقيع عقود استثمار المواد الأولية (عمولات) إلى توزيع القيمة المضافة المرتفعة جداً المحصلة لدى البيع في السوق العالمية .‏

*كاتب تونسي‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية