|
شؤون سياسية في حال عدم استجابته للطلبات والضغوط الأميركية. وتتضح يوماً بعد يوم أهداف هذه الأجندة، وفقاً للتصريحات الأميركية الرسمية، وشبكة الاتصالات والضغوط وعمليات “الإقناع” التي تجريها هذه الإدارة مع حلفائها من جهة، كذلك مع الدول الرافضة لهذه التوجهات الأميركية حول سورية من جهة ثانية. ولا تشذ هذه السياسة الأميركية تجاه سورية كثيراً عن نهج متبع منذ سنوات طويلة بسبب من التعارض بين سياسات دمشق الوطنية والإقليمية، وبين التوجهات الأميركية تجاه المنطقة وإشكالياتها. مارست خلاله الإدارات الأميركية المتعاقبة سياسة الكيل بمكيالين والازدواجية في التعاطي مع المنطقة العربية وقضايا الصراع العربي – الإسرائيلي. وهذا ما يتناقض مع التوجهات السورية، التي اعتمدت مواصلة نهج التصدي لهذه السياسة العدائية وتحمل تبعات ذلك أيضاً. وأقدمت الإدارات الأميركية الجمهورية والديمقراطية منذ سنوات على اتخاذ عقوبات اقتصادية مختلفة تجاه سورية، بسبب من سياساتها الوطنية أولاً، وموقعها الجيوبوليتيكي الهام والمؤثر في المنطقة. وفي ملفات عربية ساخنة راهناً (لبنان، العراق، فلسطين.. الخ)، وفي غيرها أيضاً. ومع بدء موجة التغيير في المنطقة العربية، إثر نجاح انتفاضتي تونس ومصر، حاولت الإدارة الأميركية الاستفادة من الأحداث الجارية في سورية لتحقيق ما عجزت عنه سابقاً، وتعمل في سياق هذه الأحداث على عدة محاور، أبرزها: - تصعيد الضغط السياسي – الاقتصادي الأميركي التدريجي على سورية، من خلال فرض عقوبات جديدة عليها، تضاف بدورها إلى العقوبات “القديمة”، وخاصة في مجال التكنولوجيا واستيراد قطع الغيار والحظر على العديد من المؤسسات المالية والاقتصادية وتجميد أصول الحكومة السورية.. الخ. وعملت على الاتصال برموز هذه التظاهرات المقيمين في الخارج، وآخرها لقاء وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون مع معارضين في العاصمة الأميركية واشنطن، أعلنت الوزيرة على إثره أننا: (نعمل على تخليص المعارضة من عيوبها، وترشيد عملها للنجاح في إسقاط النظام السوري). وأضافت في تصريح لها مطلع شهر آب، أن واشنطن: (ستستعمل المتظاهرين في سورية، و “تعتمد” على العرب والأوروبيين لإنجاز التغيير في سورية). وأكد هذا التوجه حديث السفير الأميركي لدى سورية روبرت فورد، أثناء مثوله مؤخراً أمام لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأميركي وقوله إن: (القسم الأكبر من عملي في دمشق يتلخص في اللقاءات مع قادة المعارضة وتصويب عملهم الاحتجاجي وكيفية إنجاز أهدافهم). - الطلب من القادة الأوروبيين تشديد العقوبات الاقتصادية – السياسية الأوروبية على سورية (اتخذ الاتحاد الأوروبي حتى تاريخه، أربع رزم عقابية ضد سورية). وفي هذا السياق أيضاً ينظر إلى الموافق “الأوروبية” في مجلس الأمن الدولي، وفي تكثيف الانتقادات “الأوروبية” لسورية. وينظر كذلك إلى الاتصالات التي أجراها الرئيس الأميركي أوباما مؤخراً مع نظرائه الأوروبيين: الإسباني، الفرنسي، الإيطالي، المستشارة الألمانية.. الخ، بهدف مواصلة هذا النهج الأوروبي تجاه سورية وتوسيع مجالاته. - العمل على “إقناع” العديد من الزعماء العرب، وتحديداً بعض قادة دول الخليج للخروج من حالة الصمت “الشكلي” الذي اعتمدته هذه الدول، ورفع وتيرة انتقاداتها للدولة السورية، ووقف المشاريع الاقتصادية المشتركة مع دمشق. وهذا ما تلخص مؤخراً في صدور انتقادات بعض هذه الدول لـ “العنف” الحكومي المفرط ضد التظاهرات “السلمية”!، والمطالبة بوقفه. ونشير هنا أيضاً إلى سحب السعودية، الكويت، البحرين سفرائها من دمشق للتشاور وهذا ما أثار ارتياحاً أميركياً، أشار إليه مارك تونر نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية بقوله: (إن التصريحات الصادرة عن بعض قادة مجلس التعاون الخليجي مؤخراً مشجعة للغاية وكانت مصدر ارتياح لنا). - انتقاد المواقف الدولية الإيجابية تجاه سورية: الروسية، الصينية، الهندية وغيرها، ومطالبة قادة هذه الدول بالتوقف عن التعامل الإيجابي مع سورية ودعمها في المحافل الدولية (مجلس الأمن الدولي وغيره)، وصولاً إلى تقليص العلاقات الاقتصادية – السياسية، والتوقف عن استيراد النفط والغاز السوري، الذي يمثل أحد المفاصل الهامة في الاقتصاد السوري. كذلك مطالبة روسيا بوقف علاقاتها العسكرية مع سورية، كون السلاح الروسي يستخدم في قمع المتظاهرين! وفي تقوية الدول السورية. - المحاولات الأميركية المستمرة لاستخدام مجلس الأمن الدولي، واستصدار بيانات رئاسية أو قرارات إدانة ضد سورية، خطوة باتجاه عزلها دولياً، مستخدمة في ذلك حلفائها الأوروبيين أساساً في المجلس: (المجموعة الأوروبية: ألمانيا، فرنسا، بريطانيا، البرتغال). في مواجهة روسيا، الصين، الهند، البرازيل، جنوب أفريقيا. وهي محاولات مستمرة، رغم الفشل الذي أصاب محاولة إصدار بيان رئاسي، ثم محاولة إصدار بيان إدانة ضد سورية. هذه المسائل وغيرها، التي تضمنتها الأجندة الأميركية، وتعمل عليها الإدارة الأميركية، من توسيع دائرة الانتقادات ضد سورية، ومحاولة ضعضعة اقتصادها وعزلها، لم يأت بعيداً عن التعارض السوري مع التوجهات الأميركية في المنطقة، ودور سورية الوطني والعربي والإقليمي المتناقض مع السياسة العدائية الأميركية. إن قدر سورية بسبب من موقعها الجيوبوليتيكي الهام، وسياستها الوطنية ودورها الوطني، أن تتعرض لهذه الحملة المنظمة من أميركا وحلفائها، وأن تتصدى لهذه الحملة وتنجح في إفشالها، كما أفشلت محاولات سابقة، رغم خصوصية الحملة الراهنة، مستندة إلى برنامج الإصلاح والقوانين المتعددة التي صدرت مؤخراً، والتي تمثل قاعدة وأساساً للحوار الوطني الشامل. فضلاً عن انكشاف حجم ودور العصابات الإرهابية المسلحة وحصر أماكنها خطة باتجاه الخلاص منها. بقي أن نشير إلى أن هذه الأجندة الأميركية تواصل، كما في السابق، ممارسة الازدواجية في غض النظر وعرقلة الانتقاد “الدولي” لما يجري في دول عربية أخرى، وانعدام الديمقراطية وحقوق الإنسان الأولية في عدد اخر منها، انسجاماً والهدف الأميركي الذي يتلخص في تركيز الاهتمام والجهود ضد سورية وهذا ما أكدته القرارات الرئاسية الأميركية المتخذة في 18آب الجاري. * باحث في الشؤون الدولية |
|