تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


وسائل الحصانة أمام حرب الفضائيات

شؤون سياسية
السبت 27-8-2011
حسن حسن

ما إن يتلفظ المرء بأي كلام له علاقة بالعلم والجهل حتى يسمع التعليق الكلاسيكي القائل إننا نعيش ثورة في الإعلام والمعرفة وإن معايير الأمية أصبحت مرتبطة بغياب الإلمام بالحوسبة والإعلام الالكتروني

وليست بعدم القدرة على القراءة والكتابة وفي سياق ثورة العلم التي درجت على ألسنتنا رغم أننا مجرد متأثرين لا مؤثرين بها تراجع اهتمامنا بالكتاب والصحافة المكتوبة لمصلحة الفضائيات وبرنامج التواصل الذي أريد منه أن يكون اجتماعياً فإذا به يرث ثورية آرنستو تشي غيفارا ورغم إيجابياتها تحمل هذه الثورة المعلوماتية وجهاً سلبياً حيث أصبحت مساهماً في تشكيل رأي عام بعضه توجهه دوائر وأجندات نعرفها أولا نعرفها ندرك مراميها أو لا ندرك.‏

فإذا كانت الصحافة المكتوبة تقدم لنا المعلومة موثقة ومنسوبة إلى مصدرها أو صاحبها فإن هذه المواقع تزودنا بوجبات بالصوت والصورة من دون أن نعرف من الذي وضعها ومن دون أن نتمكن من التحقق فيها لاسيما أن التلاعب بالصوت والصورة والقيام بعمليات تركيب وفبركة أمر ليس صعباً بحيث يصعب على العامة التمييز بين الحقيقي والمزيف.‏

لانبالغ إذا قلنا: إن الفضائيات تملك ما يملكه الإعلام الالكتروني من إمكانات التأثير الضوئي والصوتي والقدرة على تشكيل موقف يحل محل المعلومة الموضوعية مايخدم توجه ما يراد تمريره تكتيكياً أو استراتيجياً فهل يملك عامة الناس وسائل الحصانة مما يسقط على أعينهم وأذانهم من معلومات وأخبار ومواقف بعضها مفبرك وبلا مصادر معروفة الهوية وموثوقة المصداقية وبعضها الآخر وإن كان حقيقياً يقدم كالسم في العسل وفي بعضها الآخر تفوح منه رائحة الدس المكشوف في كثير من الأحيان أو أغلبها ناهيكم عن فضائح الفبركة؟‏

وعليه، تبدو الممارسات الخاطئة غريبة عن مفهوم الإعلام بوصفه «أداء موضوعياً» إذ ينقل الإعلام الوقائع والأخبار ويسند المعلومات إلى مصادرها وينشر الأحداث بصورة مجردة عن المشاعر والأهواء ويقدم خدمات جلى إلى الرأي العام الذي بإمكانه الحكم على ما يجري واتخاذ مواقف ومسالك إزاءها.‏

وإذا كان صحيحاً أن على الصحفيين اتباع معايير أخلاقية في الحصول على المعلومات من مصادرها وتوخي الدقة والتوازن والموضوعية وعدم إثارة الغرائز والتحريض وهذه مبادىء قاطعة وواضحة فإن الصحيح أيضاً أن ليس من شأنهم التستر على جرائم الشرف فالإعلام بذاته يشكل ملاذاً للموضوعية بمنأى عن الموقف الأخلاقي من الأحداث التي تحصل للبشر على الأرض.‏

ومن الواضح أن مكانة الصحافة في المجتمع المالي تفتح شهية العاملين فيها إلى الشهرة والكسب غير المشروع ففيها من الاغراءات المالية مافيها وفيها من المنافذ إلى الشهرة مافيها أيضاً فضلاً عن حجم الأسرار والمعلومات التي قد تتجمع في أدمغة «وسيديات C.D» الصحفيين اللامعين.‏

من الأسباب التي تؤدي إلى انتهاك الأخلاق الإعلامية أن بعض الصحفيين الطامحين إلى الشهرة والمال والنجاح قد لايجدون سبيلاً عبر رواتب محدودة تكبر أو تصغر تبعاً لوضعيات المؤسسات التي يعملون فيها وتتأثر على هذا النحو أو ذاك بشروط العمل وسلاسل الرتب والرواتب ولأن الصحافة توفر لهم المجال للكسب تراهم ينتهزون الفرصة السانحة للخروج على ضوابط الآداب المهنية.‏

ومع الدور المتعاظم للإعلام باتت السفارات وأجهزة الاستخبارات والشركات الكبرى تبحث عن اعلاميين مرتزقة تغريهم بالمال وتعدهم بالمناصب مقابل صياغة مقالات «غب الطلب» أو نشر معلومات تفتقر إلى الأسباب المؤدية إلى الدقة والموضوعية.‏

ومن الإخلال بأخلاقيات الإعلام أنه من غير الممكن كشف حقيقة الخداع أو الغش في التقارير الإخبارية قبل نشرها بالنظر إلى خصوصية المادة الإعلامية المفترض أن تستند إلى مصادر وأن يحظى كاتبوها بالثقة في عالم يسبح فوق بحر من المعلومات ويغص بالأحداث والأخبار التي باتت تغطي جوانب النشاط الإنساني كافة فضلاً عن الأخبار المتصلة بالطبيعة والبيئة وحتى الفضاء.‏

وسائل الإعلام والمعرفة ينبغي أن تكون رسائل سلام للإنسانية تواجه التعتيم بالحقيقة الموضوعية والأحادية بالتعدد والظلامية بالنور وازدواجية المعايير بتوحيدها وأن تحترم العقول ولا تستغل طيبة البسطاء للعبث بأدمغتهم وتحويلهم إلى حطب لنار لا يعرفون من أشعلها ولمصلحة من نحن بحاجة إلى الحقيقة بلا نقصان أو زيادة حتى عندما يتعلق الأمر بأعدائنا.‏

إن أهم استخلاصات المرحلة الأولى من ثورة المعرفة أن أخطر أنواع الكذب أن تتعمد الصدق مئة مرة ثم تبدأ بالكذب وأصعب أنواع الصدق أن تكذب مئة مرة ثم تبدأ بالصدق.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية