تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


كل شيء في اختزال

مجتــمـــــع
السبت 27-8-2011
اسماعيل ديب

بات الاختزال سمة العصر، فكل شيء في اختزال، حتى مشاعر المرء باتت أيضاً مختزلة، تنم عن حاجات نفسية، تلك الحاجات تدخل في إطار الاحتياجات الأساسية للضرورة العامة، أو الخاصة، والشعر أيضاً بات مختزلاً، لخطاب عام أو خاص، يريد الشاعر التعبير به ليصبح مجمل رسائل مشفرة اختصرت بمشهدية الموقف، ورمزية الصورة، لتشير لمكنونات الشاعر الدفينة.

واختصر العالم بالعولمة، والأوطان بالقطب، لنألف ما يسمى عصر السندويتش فالسندوتش تختزل لك طبخة شهية دسمة تستلزم مواد عديدة وأساليب متنوعة، وخبرة ما يحتاج لوقت طويل، وصبر جميل، واختصر الطرب الأصيل بالطقطوقة، التي تجعلك تهز، وتنط كالقرد، وكأنك في حالة استنفار، لتوقع حدوث مكروه، واختزلت المطربة بالعارضة، تعرض لك مفاتنها الجميلة لتجعلك مضطرباً لامستطرباً وإن الغناء الطربي، يجعلك تهز رأسك، والرأس أسمى مافي المرء فعليك بالحفاظ على رأسك والاكتفاء بهز بطنك، وتحريك قدميك وهذا من شأنه أن يجعلك نشيطاً وحيوياً، ويحافظ على سلامة رأسك ودماغك، وسلامة أفكارك، لذا شمل الاختزال كل شيء، لأجل راحة المرء وتحقيق الرفاهية، فاختصرت عبارات السلام والتسليم، بكلمة (هلو) وكذلك عبارات الوداع لم تعد رافقتكم السلامة، بأمان الله، فهذا هدر في الكلام، واستفاضة في الشرح (فالباي) تعني وداعاً وتذكرك بالباي في تونس والداي في الجزائر وتنمي ذاكرة التاريخ لديك.‏

واختزلت الأعراف الاجتماعية، التي تشكل متاعب، في أبسطها، فلم تعد مراسم الزواج، تحتاج إلى زيارة الأهل، والتعارف بين أهل العريس والعروس، لتليها مرحلة الخطبة، وتبادل الهدايا، فالإنترنت يحقق لك دخول الديار، من أبوابها، وحاجة الاستئذان ومذلة السؤال، ولاداعي لتبادل الهدايا، وصون الوصايا، ومسألة الاختزال هذه تذكرني بقصة جارنا المسكين، الذي حصل على سروال جميل، لكنه طويل، فطلب من زوجته أن تختزل بعضاً من طوله، ولكي لاتنسى الزوجة أوصى أمه أيضاً على مسمع من الجدة، وتجنباً للنسيان ولتجهيز السروال الذي يحتاجه الرجل، لحضور حفلة زفاف صديقه.‏

بادرت الجدة باختزال شيء منه، وكذلك فطنت الزوجة للوصية، فاختزلت أيضاً جزءاً منه، وجاءت الأخت لتختزل أيضاً جزءاً، استيقظ الرجل ليرتدي سرواله فلم يجد سروالاً بل وجد شورتاً لايصلح إلا للسباحة فقط فأدرك ما آل إليه الاختزال.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية