تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


« ليلــة القـــدر »

معاً على الطريق
السبت 27-8-2011
قمــــر كيــــلاني

ها هم المسلمون في أصقاع الدنيا وفي العشر الأخير من شهر رمضان المبارك يلتمسون الليلة العظيمة.. ليلة القدر.. التي ما بعدها ليلة.. ولا قبلها ليلة.. تهبط فيها الملائكة من العلياء.. وتتفتح أبواب السماء لتتلقى الدعوات واللهفات..

كما تتنزل بالرحمة واليمن والخيرات.. وكما تنبؤوا بها بين رقم (21) و(23) و(25) و(27) فقد ثبت أكثرهم كما يبدو على أنها ليلة احتفالية تتواصل فيها خيوط النور بين الأرض والسماء.. وما من أحد يدعو فيها الدعاء الحق إلا وتستجاب دعوته إذ تختصر هذه الليلة كما في آخر السورة الكريمة: ((سلام هي حتى مطلع الفجر)).‏

وهكذا ترتعش القلوب.. وتقبض الأيدي على السبحات.. وتتطلع الأنظار الى السماء في عتمة ليل تتردد فيه الأصداء ليطلب كل أحد ما يريده من الواحد الأحد.. ولعل أياً منا في هذه الظروف الصعبة وفي هذا الوطن الكبير الممتد من الماء الى الماء لا يدعو في هذه الآونة إلا بدعاء الرحمة للاستقرار.. وحفظ المال والأرواح والديار أياً كانت السبل الى ذلك.. وكأن السلام فقط هو المرغوب أو المطلوب.. وتقدير المقادير لا يعود الى أهل الأرض بمقدار ما يرتبط بمن يسيّر المقادير.. فهل ستكون هذه الليلة برداً وسلاماً على قلوب المروعين، والمفجوعين، والأيتام، والثكالى، ومن أصابتهم الجروح سهواً أو عمداً؟‏

وكأن الليلة العظيمة إذ تنبع أنوارها من الضمائر تختلف حسب الداعين والمتوسلين كما تختلف بين زمن وآخر وحين وحين.. فما أكثر ما كنا نسمع ونحن صغار أن هذه القرية أو البلدة وربما المدينة قد طافت بها ليلة القدر فاغتنى منها من اغتنى.. وسما بها من سما عن عرض الدنيا فاستمالته الملائكة الى الزهد والتقشف إن لم يكن التصوف.. وكأنما رسخ في بال الكثيرين أن ليلة القدر هي ليلة دنيوية تهطل فيها الخيرات كالمطر.. ويرتفع بها قدْر الإنسان مع القدَر بينما يفسر القلائل من الروحانيين أن التماس المغفرة، والرحمة، والثواب مطلوب جميعها لا لهذه الدنيا وإنما للآخرة ويوم الحساب.‏

وإذ أذكر مما أذكر أن أهل دمشق كانوا يتجمعون فيما مضى في المسجد الأموي، ويلتف معظمهم حول مئذنة العروس التي أسبغت عليها القصص الدينية أنها مهبط المسيح، أو المهدي المنتظر فإذا بهم يصدحون حولها كأنهم يستعجلون النعمة المخبأة في قدرهم. وكم كانوا يصفون لنا نحن الصغار آنذاك ما أبدعته مخيلاتهم من صور.. وما جرى على ألسنتهم من عذب الأشعار ومن مجامع الأقوال.. ومن الأدعية التي يجب أن تحفظ وتكتب على ورق الصبر وتخبأ في الصدور بين الضلوع والقلب.‏

يا ليلة القدر.. مهما تعاظمت حضارات البشرية فهي لابد أن تعود في لحظات أو ليالٍ بعينها الى الحقائق الأبدية من العدل، والمساواة، وعدم الظلم من الإنسان لأخيه الإنسان مهما كان مذهبه، أو عقيدته، أو دينه، وحتى لو كان بلا عقيدة أو دين لأن البشر هم أخوة في الإنسانية أولاً وقبل أي شيء. وأي دعاء يجب أن ينطلق من هذا المبدأ ومن ذلك الولاء.. ولاء الإنسان للتراحم والتآزر وخاصة أننا أصبحنا في نهايات العالم على ما يبدو مما تصيبنا به الطبيعة من كوارث وخطوب لا ترحم فيها شعباً دون آخر من الشعوب.. بل هي سوط عذاب يفترق فيه الأمر بين الثواب والعقاب.‏

يا ليلة القدر في سورية الغالية هل تكونين لها رحمة تفض كل اشتباك أو اختلاف.. وترجع الإنسان السوري الى ما يجب أن يكون عليه من خير وبركة لا أن يغرق في الدماء والجراح.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية