|
ثقافة والمرحلة الثانية التي مهد لها برنارد لويس وآخرون كثيرون نرى الان نتائجها على الارض مرورا بنظرية صدام الحضارات وماخطط له برنارد هنري ليفي في ليبيا وغيرها من الدول العربية، ومن هؤلاء يأتي برنارد لويس المنظّر الأكبر لما يحصل اليوم. لويس الذي يحتفي فيه الغرب دوماً وبأفكاره بطريقة مختلفة لنقرأ كيف يكشف اوراقه ولنتمعن مابين السطور ونقارن على أرض الواقع. اليوم يضيف لويس الى سلسلة مؤلفاته عن الاسلام كتابا جديدا عنوانه «السلطة والاعتقاد» وهو الذي أثبت قدرته الفريدة من بين المستشرقين على البحث وتحليل التاريخ العربي والاسلامي ثم تقديمه للقارئ الغربي بأسلوب مثير يدعي الموضوعية. ففي الوقت الذي يحذر من مخاطر الأسلمة التدريجية للغرب يرى لويس أنه بامكان المسيحيين والمسلمين العيش معا وأما الطرح الأساسي لهذا المؤرخ فهو أن صراع الحضارات ليس نزوة ايديولوجية انما هو واقع يجدر بنا تحليله لتجنب الوقوع في مخاطر نتائجه. الكتاب عبارة عن مقالات ومحاضرات كان قد كتبها وألقاها في السنوات الأخيرة وهو الاستاذ في جامعة برنستون بعد انتقاله في منتصف السبعينات الى الولايات المتحدة الاميركية من بريطانيا حيث ولد عام 1917 لعائلة يهودية وكان قد عمل ضابطا في الاستخبارات البريطانية ليعود بعد الحرب العالمية الثانية الى التدريس في جامعة لندن. واليوم هو المشرف الأول على جميع الابحاث عن الاسلام والخبير لكل الاعمال والبرامج التي تحظى بأهمية كبرى في هذا الشأن كما أن لكتبه وأبحاثه تأثير هائل في صناعة القرار الغربي وفي الولايات المتحدة على وجه الخصوص. يقدم لويس في كتابه الجديد شرحا عن رهانات الأحداث في الشرق الأوسط وتحليلات بطريقة جذابة بعيدا عن اللغة الخشبية كما اعتاد في كتبه السابقة هذا مايجب اخذه بعين الاعتبار،يقول:خصوصا ان المسلمين يفسرون دائما الاحداث الحاضرة على ضوء الماضي المضطرب أو الأسطوري والمثال على ذلك:هناك دعاية لبعض المسلمين بان الولايات المتحدة واسرائيل هم من خلف الذين استولوا على القدس منذ ألف عام. وهذا الطرح تمت مساندته من الغرب كما تم التستر عن أمور أساسية في هذا الاطار, ويضيف برنارد لويس: ان «الحروب الصليبية» هي ردة فعل تاريخية على دخول الاسلام حينذاك الى قلب أوروربا واليوم أصبح من موضة العصر أن تُقدّم «الحروب الصليبية» كأول تدخل عنيف للامبريالية الغربية في العالم الثالث ولم يكن هذا التفسير ليجد له معنى في سياق تلك الحقبة، وقبل كل شيء كان لتقدم الجيوش المسيحية في القرن الحادي عشر هدف محدد هو تضييق المجال على المسلمين في أوروبا والاستيلاء على الأراضي التي خسرتها المسيحية كما حدث في اسبانيا والبرتغال. أما سورية وفلسطين فهي الأراضي القديمة للمسيحية وكان على المسيحيين استعادتها خاصة أنها تضم الاماكن المقدسة، وبحسب برنارد لويس فإن الصراع بين المسيحية والاسلام هو قضية بنيوية أو هيكلية بالنسبة لأوروبا التي وضعت حدودا فاصلة مع الاسلام خاصة عندما ردت الأتراك عن فيينا في القرن السابع عشر كما كانت القضية ذاتها بالنسبة للمفكرين المسلمين الذين لم يتنازلوا أبدا عن فكرة فتح هذه المنطقة من العالم. فالرهانات ديموغرافية وبنظر لويس فانه يمكن التعايش مع الاسلام بشرط أن لا يتبنى مبدأ الهيمنة أو التسلط وفي هذا السياق يتساءل المفكر السوري صادق جلال العظم قائلا:هل ستتم أسلمة أوروبا؟أم سيظهر فيها اسلام على الطريقة الأوروبية؟ حول هذا الموضوع يقول لويس علينا التعامل مع هذا السؤال بشكل جدي لان مايملكه المسلمون من حمية وقناعة غير موجود لدى الغربيين التائهين في الاختلاف والمماطلة كما أنه لدى المسلمين أوراق رابحة على الصعيد الديموغرافي فهناك خليط سكاني خاضع لنمو طبيعي للشعوب وحركات هجرة ستؤدي في المستقبل القريب الى ازدياد في عدد السكان يكون فيها المسلمون أغلبية في عدد من الدول الاوروبية. وفي طرحه هذا يلتقي لويس مع الصحفي الأميركي كريستوفر كالدويل في كتابه «أفكار حول ثورة أوروبية» وهو كتاب أثار ضجة كبرى في الولايات المتحدة الأميركية حيث يناقش فيه الصحفي الاميركي احتمال أسلمة تدريجية لأوروبا. |
|