تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


المنمنمات... فن ارتبط بتوسع الحضارة الإسلامية

ثقافة
الأثنين 29-8-2011
نجلاء دنورة

إن الأهمية المتزايدة لفن الرسوم الصغيرة عند العرب والمسلمين ترجع إلى الارتباط الوثيق بتوسع الحضارة الإسلامية وتعدد المؤلفات والكتب المترجمة واختلاف موضوعاتها وتنافس النساخ على تحلية المخطوطات

وتجميلها فنجد الكثير من المخطوطات الإسلامية ودواوين الشعر وكتب السير تزخر برسومات للإنسان والطبيعة والحيوان والطير، ويعرف هذا الفن بالمنمنمات الإسلامية.‏

وقد أتاحت لنا هذه الرسوم فرصه التعريف على عادات و تقاليد المجتمع الإسلامي العربي و غير العربي في تلك الحقبة من الزمن، وأطلعتنا على التفاصيل الحياتية اليومية والطقوس والبيئة والأحداث التاريخية وطبيعة المناخ والعمارة والزي والفنون فهي بذلك تعتبر وثائق مهمة جدا.‏

يمثل فن المنمنمات ما يعرف اليوم بفن الرسوم الإيضاحية في كتب العلوم والآداب، ولهذا فالمنمنمة هي رسوم مصغرة تحلّي الصفحة وتضيء النص المكتوب وتحاول إيضاح ما التبس منه بغية الوصول إلى هدفه وغايته.. فللمنمنمة جانبها التفسيري للنص والإيضاحي لما ورد فيه من معلومات، ولها جانبها الفني أيضا لأنها تقدم لوحة فنية تحمل المفاهيم الجمالية والصياغات التعبيرية للفكرة، فهي تُجمل الصفحة المخطوطة وتوفر للقارئ متعة بصرية تساعده في استيعاب المعلومات وتدفع به إلى التواصل مع النص في رغبة عالية، ذلك لأنها تجمع جمال الرسوم الملونة وبراعة الخطوط وحُسن تنسيقها مع الرسوم من خلال صياغة مبتكرة.‏

وقد طوَّر الفنانُ المسلمُ هذا الفنَّ الذى ورث أصوله من الحضارت السابقة على الإسلام، خاصةً الحضارات الهندية والفارسية..واستمرَّ فنُّ المنمنمات فى التطوُّر، بفضل فنَّانين (أغلبهم من أصولٍ فارسية) أشهرهم الفنان المبدع/كمال الدين بهزاد/ الذي رسم كثيراً من الكتب.‏

ويعد كتاب كليلة ودمنة أولَ كتابٍ عربي ظهرت فيه المنمنمات وهو في أصله كتابٌ هندي ترجمه ابن المقفَّع إلى اللغة العربية ومن أشهر الكتب التي احتوت على المنمنمات أيضا مقامات الحريري و كتاب الأغاني لأبي فرج الأصفهاني و كتاب الكواكب الثابتة لعبدالرحمن الصوفي.‏

و من الكتب العلمية؛ كتاب خواص العقاقير لديوسقوريدس، و كتاب الترياق ل (جالينوس) و كتاب البيطرة لاحمد بن الحسن وغيرها‏

ويعتبر/ يحيى بن محمود بن يحيى بن أبي الحسن كرويها الواسطي/ من اشهر رسامي المنمنمات‏

وعمل رساما لدى الخليفة المستنصر بالله العباسي ما بين عام 1242 – 1258 وزوق أكثر من نسخة من مقامات الحريري وغيرها من أمهات الكتب العربية..‏

وكانت كل من ايران و العراق و سوريا أنشط البلدان في فن المنمنمات، ويرجع السبب إلى التراث السابق لها في فنون النحت و التصوير إضافة إلى ابتعاد الفنان عن الأسباب الرادعة في تقهقر الفن التشخيصي، ففي الجزيرة العربية كان محرماً العمل في فن التصوير خوفاً من عودة البعض و الحنين إلى الأوثان.‏

وجدير بالذكر أن فن المنمنمات قد مات في كل البلدان الإسلامية إلا في إيران و العراق، فإيران لا تزال تستخدم فن المنمنمات بعد أن أدخلت عليه البعد الثالث.‏

ومن المعروف أن فن المنمنمات الإسلامي ينقسم إلى مدارس واتجاهات فنية متنوعة تبعا لطبيعة الصياغة الفنية وتوظيف عنصر اللون وتوزيع الكتل والجسوم على سطح الصفحة بالإضافة إلى أثر المكان وموجوداته على رؤية الفنان وتعاطيه مع عناصر الطبيعة المحيطة به، فهناك المدرسة الفارسية والمدرسة المغولية والتركية بالإضافة إلى المدرسة العربية التي يصطلح على تسميتها من قبل نقاد الفن بمدرسة بغداد والتي تضم المدن التالية: بغداد والموصل، دمشق، القاهرة، قرطبة، غرناطة.‏

مدرسة بغداد تأثرت بداية بالفن البيزنطي والفارسي لكن التطور الزمني جعلها تستقل عن هذه التأثيرات وتقدم الأشكال المبتكرة والتي بدت واضحة في التصوير السياسي بشكل خاص، وقد رسمت المنمنمات في هذه المرحلة من دون إطار يحددها ويفصلها عن المخطوط من الكلام.‏

المدرسة‌ المغولية: حين‌ قدم‌ المغول‌ وقعوا تحت‌ تأثير الثقافة‌ الإيرانية‌، إلا إنهم‌ أثروا كثيراً في‌ المسيرة‌ الفنية‌ التي‌ كانت‌ في‌ سبيلها نحو التكامل‌، فظهرت‌ مراكز و نتاجات‌ فنية‌ جديدة‌ في‌ تبريز و شيراز و مرو.‏

مدرسة‌ هرات‌: أعقب‌ المرحلة‌ المغولية‌ ظهور عهد فني‌ جديد في‌ إيران‌ حمل‌ اسم‌ مدرسة‌ هرات‌، و يطلق‌ عليها أيضاً المدرسة‌ التيمورية‌ أو مدرسة‌ سمرقند و بخارى، اذ كانت‌ هاتان‌ المدينتان‌ مركزي‌ الفنون‌ عصرئذ.‏

المدرسة‌ الصفوية‌: اتجه‌ الرسم‌ فيها نحو الطبيعة‌ وخرج‌ من‌ الأطر الضيقة‌ للكتاب‌ إلى الرسوم‌ الجدارية‌، و برز أساتذة‌ كبار مثل‌ رضا عباسي‌ مؤسس‌ المدرسة‌ الصفوية‌‏

المدرسه‌ المعاصرة‌: حيث بدأ عصر الازدهار بعد انشاء مدرسة‌ كمال‌ الملك‌ عام‌ 1908 و قدوم‌ الاساليب‌ الفنية‌ الأوروبية‌ الحديثة‌ واهتمام‌ الرسامين‌ الايرانين‌ بها.‏

و لصيانة‌ الاساليب‌ الإيرانية‌ من‌ الضياع‌، و تشجيع‌ الفنون‌ الإيرانية‌ التقليدية‌ و الصناعات‌ اليدوية‌ الوطنية‌ انشئت‌ مدرسة‌ فنية‌ أخرى‌ عام‌ 1930 و كان‌ فن‌ النمنمات‌ (المينياتور) من‌ بين‌ الفروع‌ التي‌ شملتها هذه‌ المدرسة‌.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية