|
دراما يبرز وبشكل ملفت مسلسل (طالع الفضة) للمخرج سيف سبيعي، والكاتبين عباس النوري وعنود الخالد، وبطولة رفيق سبيعي، مكسيم خليل، جمال سليمان، سلوم حداد، نادين خوري، أندريه سكاف، وعباس النوري، ليغيّر كل المقاييس والمعايير الدرامية وخاصةً في دراما ما يسمى (البيئة الشامية)، مقدماً حبكة فنية تاريخية موثقة لحقبة مهمة من تاريخ الشام،
وتبدو هذه الحبكة مكتملة الأضلاع، فلا يغيب عنها أي عنصر من عناصر الدراما، بداية من التوثيق والواقعية، مروراً بالتشويق والإثارة، وانتهاءً بالحبكة القصصية والتصاعد الدرامي المتقن، وتضاف إلى كل ذلك طريقة إخراجية خاصة يقدمها (سبيعي) لأول مرة. تنوع ديني تجربة (طالع الفضة) تعيد إلى الأذهان ثلاثية (الحصرم الشامي) والذي قدم من خلالها الثنائي (سبيعي/ النوري) بالتعاون من الكاتب (فؤاد حميرة) وعلى مدى 86 حلقة، رؤية خاصة واستثنائية لفترة مهمة من تاريخ سورية عامة ودمشق خاصة. فطالع الفضة هذا الحي الدمشقي الشهير والذي ضم في مكوناته الاجتماعية المسلم والمسيحي واليهودي، قدمه المسلسل بطريقة خاصة، عالجت جوانب مهمة وجدلية من تاريخ المنطقة، محترماً تاريخ دمشق وتراثها، دون تشويه أو تلفيق كما يحدث في معظم الأعمال (الشامية) التي تقدم دمشق كبؤرة من التخلف والرجعية، وتؤكد على البطل المطلق والشرير المطلق، بحجة حكايا الجدات التي تُشرّع وتُبيح كل التشويهات والتلفيقات. خطوط درامية متشابكة فرغم أن (طالع الفضة) أكّد على الجانب الفلكلوري والتراثي للمنطقة وحافظ على الأجواء الدمشقية الخاصة، ولكنه أعطى كل مكوناته فرصة في تقديم ما يخصها من أفكار وتصرفات، كما لم نشهد في العمل شخصية محورية واحدة تدور حولها كل الأحداث والحبكات، بل تنوعت الشخصيات وأفرد العمل لكل منها خطها الدرامي الخاص مثل الخط الخاص بالخال أبو صطيف (عباس النوري)، وأبو نزيه (سلوم حداد)، وعزيز (مكسيم خليل) وطوطح (رفيق سبيعي)، وأبو الليل (أندريه سكاف)، للتشابك فيما بينها مقدمة قصة درامية متكاملة على جميع المستويات، كما أكّد العمل على الجانب السياسي للمنطقة ودورها فيه، عبر شخصية الشهبندر (جمال سليمان). فنياً الحبكة القصصية متكاملة، رافقتها رؤية إخراجية خاصة لـ(سبيعي)، فعمد إلى تقديم المشاهد من زوايا مختلفة في الوقت نفسه، وعمد في بعض الحالات لتقسيم الشاشة لتسع كل ردود فعل الشخصيات في لحظة وقوعها، وبدا وكأنه يصور العمل بأكثر من أربع كاميرات تقدم الجهات الأربع للمشهد، كما برز بشكل واضح التنقل السلس بين المشاهد دون تكليف، كما أن الإضاءة المقترحة من قبل المخرج ومدير الإضاءة وخاصة في المشاهد داخل المنازل كان لها دور كبير في إضفاء الكثير من التشويق والإثارة، وجذبت المشاهد بشكل كبير إليها، أما فيما يتعلق بالموسيقا التصويرية فكان الاهتمام بها كبيراً، ما يبرز وعياً كبيراً لهذا الفن دوره في تشكيل الصورة الدرامية، وأهميته في صياغة الدراما كعنصر أساسي في العملية، كما حافظ العمل في ديكوراته على الشكل الأساسي للحي، كما لم يهمل الحيثيات الخاصة بالبيئة الدمشقية، من لباس وأثاث. أما عن أداء الممثلين فإن مختلف المشاركين تمتعوا بقدرات كبيرة وخاصةً (مكسيم خليل، وعباس النوري) اللذين استطاعا شد انتباه المشاهد في مختلف المشاهد التي تواجدا بها، كما كان أداء بعض الشبان الجدد مقنعاً ويحمل الإضافة للعمل، فيما كان (رفيق سبيعي) بأدائه الخاص الذي قدم حواراته المكتوبة بحنكة والتي تحمل الكثير من الأبعاد مميزاً واستثنائياً على جميع المستويات، وربما إحدى النقاط التي تسجيل على العمل استخدام ممثلي الكومبارس في بعض الجمل لتكمل نقص ما، والتي بدت وكأنها مقحمة على المسلسل وأساءت له قليلاً. نقلة جديدة إن (طالع الفضة) بمكوناته المختلفة (الحبكة، التمثيل، الإخراج، الديكور، الإضاءة، الموسيقا، والتصوير) يشكل نقلة جديدة في عالم الدراما السورية وخاصة البيئية منها ويعيد هيبتها، ويحفظ ماء وجهها، في ظل الأعمال ذات السوية المتدنية المنتشرة على الفضائيات في الموسم الحالي والمواسم السابقة، ويؤكد على قدرت الفنانين والفنيين السوريين على تقديم أعمال مميزة، فيما لو اقترنت ببعض الجهد والاجتهاد. |
|