|
على الملأ ولكن علينا - وعلى الصناعيين قبلنا - أن لا ننسى ما نحن فيه وعليه من صعوبات وتحديات، وعقوبات عالمية جائرة، ومواجهات دموية يقف وراءها من يريد إخضاعنا لإراداتٍ بعيدة عن إرادتنا وطموحاتنا وحرية قرارنا، لنبقى مُرتهنين لهم بلا مضمون تماماً كمدن الملح تلك التي تمعن التأكيد في هذه الأيام أنها ليست بعد كل ما فعلته سوى مدنٍ للملح فعلاً، فلا قرار لها ولا إرادة، ولا تحتمل أكثر من كلمةٍ أمريكية ليذوب ذلك الملح كله ويتلاشى في مياه خليجهم الكدر. فمع ضرورة أن لا ننسى ما نحن فيه وعليه، تتزامن في هذه الأيام أحاديث مختلطة عن النفط ومشتقاته في سورية، فالحكومة تؤكد أنَّ انفراجاً كبيراً ستشهده سورية في توفر المشتقات النفطية بمختلف أنواعها ( المازوت والبنزين والفيول والغاز ) للمواطنين بشكل عام وللصناعيين أيضاً من أجل إقلاع مصانعهم وتحريك دورة الاقتصاد أكثر، غير أنَّ صرخات صناعية سرعان ما راحت تدوّي في الأجواء السورية على شكل تهديداتٍ بمخاطر مُفترضة أفسدت علينا حتى القدرة على الفرح بانفراج قريب، حيث تروّج قياداتٍ صناعية بأنَّ ( أي محاولة لتسعير مادة المازوت بالسعر العالمي للمدن الصناعية دون توفر الكهرباء للمعامل سيؤدي إلى شلل هذه المدن، وتوقف معظم معاملها عن العمل وإلى انتكاسة كارثية في جهود إعادة الإعمار وإعادة عجلة الإنتاج وإلى إضعاف الثقة الاستثمارية المترددة أكثر مما سيلحق الضرر البالغ بالاقتصاد الوطني وبلقمة عيش المواطن وبمعيشته ) ..!! أعتقد أن على الصناعيين الوطنيين أن يعوا جيداً بأن الحكومة قد أثبتت جدارتها الكبيرة خلال هذه الأزمة السوداء، في الحفاظ على دعمها للكثير من المواد الاستهلاكية ومن ضمنها المشتقات النفطية، وهي قد أعلنت بالأمس أنها ستوفر المازوت والفيول للصناعيين بالسعر الرسمي، وهذا يعني أنها ستوفر تلك المواد بالسعر الرسمي وليس العالمي، وقد ذهبت الحكومة بعيداً في فتح الأبواب أمام الصناعيين كي تمكنهم من الاستقرار أكثر، حيث ستسمح لمن يريد منهم أن يستورد المازوت والفيول على حسابه، وهذه ميزة جديدة صارت متاحة أمام الصناعيين، ولكن من غير المعقول أن تعمد الحكومة إلى دعم سلعٍ يقوم غيرها باستيرادها لاسيما وأنها - أي الحكومة - تتبنّى توفير احتياجاتهم من هذه المواد، وفي الحقيقة لو أنَّ الصناعيين يعمدون إلى الدخول بمفاوضات موضوعية مع الحكومة حول هذه المسألة لكان أفضل، فربما يصلون إلى نتيجة إيجابية، وتُفضي الأمور إلى اتفاقٍ يرضي الطرفين معاً، فالمهم في الموضوع توفر الثقة، وعدم إشاحة الطرف عن البلاء الذي نحن فيه، والعواصف الهوجاء التي تجتاح البلاد، ونكاد نجزم أن الحكومة لن تتردد في توفير ما يمكن توفيره من الدعم للصناعيين، إذ لها مصلحة في ذلك أصلاً، أما إن كانت ستُفرض عليها قضايا فوق طاقتها فعلينا أن نتفهّم الأمر جيداً، ونبحث عن أفضل السبل التي نستطيع من خلالها التأقلم مع الواقع فالصراخ لا يُجدي في ترتيب الحسابات .. رتّب حساباتك أولاً .. ابحث .. وحاول .. ولكل حادثٍ حديث . |
|