تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


لماذا تريد أميركا حرب استنزاف طويلة؟

الصفحة الاولى
الإثنين 13-10-2014
د. أمين حطيط

لا ينفك المسؤولون الاميركيون صباح مساء عن تكرار مقولة «داعش ولزوم الحرب الطويلة» وان الحرب على الارهاب بالشكل الذي اعلنته اميركا وحشدت له القوى الدولية الكبرى، هي حرب تستلزم سنوات طويلة حتى انهم رفعوا المدة المطلوبة من 3 سنوات كما اعلنواعند انشاء التحالف الى 3 عقود بعد شهر ونيف من اعلان

ذاك التحالف الذي جاؤوا خلاله بأحدث الطائرات وانفقوا اكثر من مليار ونصف المليار دولار على ضربات جوية لم تؤد في الواقع الا الى مزيد من تمدد «داعش» التنظيم الذي تصر اميركا ومن يعمل تحت لواء ذلك التحالف بقيادتها من شرق الارض وغربها، تصر على إلباسه اللباس الاسطوري وجعله قوة خارقة قادرة على اكتساح الارض وخوض المعارك وتحقيق الانتصارات الكبرى.‏

لقد كان واضحا لنا منذ ان اتجهت اميركا الى تضخيم «داعش» وإلباسها ذاك اللباس المزيف من القوة، أنها تريد عبر «داعش» تحقيق ما عجزت عنه في العقدين الاخيرين عندما اعتمدت استراتيجية القوة الصلبة وفتحت الجبهات امام جيوشها وجيوش من لحق بها منساقا بخدعة او شريكاً في التأمر والعدوان على الشعوب والبلدان، لكنها فشلت بعد حروب دامت لعقدين من الزمن وارتدت عليها فشلا تلو فشل، ولم تجن منهـــــا الا الخســـائر في الارواح وفي اقتصـــادها‏

وقتلا وتدميرا وتفتيتا للبلدان التي دخلتها او تدخلت فيها من افغانستان الى العراق فليبيا.‏

فـ«داعش» وبكل وضوح ويقين ما هي الا منتج اميركي صنعته اميركا واتخذته أداتها لتنفيذ الفوضى الهدامة (التي اسمتها كونداليزا رايس خلاقة) وقد حددت لها اميركا ميدان عمل شمل بلدانا ست ممتدة من الشاطئ الشرقي للمتوسط الى مشارف ايران في حدودها مع العراق. وتريد اميركا ن تهدم ما امكن هدمه في هذه البلدان واسقاط خرائطه او الغائها لاعادة رسم خرائط جديدة تكون اسرائيل فيها حجر الاساس الذي يبنى عليه بما يحقق المصالح الاميركية في المنطقة والمتمثلة بشكل اساسي بوجود اسرائيل وأمنها، والسيطرة على النفط وعبره الامساك بزمام الاقتصاد العالمي والتحكم به.‏

مع هذه الحقيقة يكون من الحمق والسطحية التصديق بان اميركا انشأت تحالفا لمحاربة الارهاب عامة و»داعش» خاصة، وكيف تكون حرب اميركية على اداة اخترعتها اميركا ورعتها واعتمدتها لتنفيذ اخطر مشروع غربي في منطقة الشرق الاوسط بعد مشروع سايكس بيكو الذي قسمها؟. وعلى اي حال فان ما يظهر بين الفينة والفينة على ألسنة المسؤولين الغربيين من اقرار بالدور الاميركي في صناعة الارهاب وتحديدا «القاعدة» و»النصرة» و»داعش» يؤكد النفاق الاميركي حول النية والموقف من الارهاب، اذ بعد كلنتون واقرارها بالدور الاميركي المركزي في انشاء القاعدة وداعش، كان كلام جو بايدن عن دور اتباع اميركا في تمويل داعش والنصرة واحتضانهما ذاكرا بالاسم في ذلك كل من تركيا والسعودية وقطر والامارات العربية، ثم كان الاقرار – الفضيحة التي اطلقها مسؤول المخابرات البريطانية السابق بقوله ان اميركا وبريطانيا هما من انشأتا المنظمات الارهابية لنشر الفوضى وتدمير منطقة الشرق الاوسط لتحقيق الاهداف الاميركية الغربية.‏

ان مواجهة ما تقوم به اميركا في المنطقة يفرض اولا فهم حقيقة ما يجري فيها دون الوقوع في الخديعة الاميركية او التضليل الذي تمارسه اميركا، فما يرتكب الان في المنطقة يشكل بكل موضوعية حرب استنزاف تدميرية تقودها اميركا من اجل الاجهاز على كل ما هو قائم في المنطقة وتحضيرها لبناء اميركي جديد، وستشمل هذه الحرب كامل المساحة التي ترى اميركا حاجة لزجها في النار، وكامل المساحة اللازمة لخدمة الحريق الكبير الذي اضرمته وبالتالي نرى ان اميركا قسمت المنطقة الى اقسام ثلاثة : «منطقة الحرائق المدمرة «، و»منطقة الامداد المسعرة للنيران» ، ومنطقة ثالثة هي «ورقة الاحتياط «، فأدخلت في الاولى بشكل خاص العراق وسورية ولبنان (عجزت حتى الآن عن ادخال ايران لظروف ايرانية عجزت اميركا عن التغلب عليه) وفرضت العضوية في منطقة التسعير على كل من تركيا ودول الخليج وبشكل خاص السعودية وقطر والامارات، واحتفظت بورقة الاردن واسرائيل بيدها كاحتياط استراتيجي لاستعماله حيث تفرض تطورات الاوضاع لضمان نجاح المخطط. ويبقى لـ»داعش» في الخطة دور مهم هو دور مثيل العدو كما هو معتمد في التمارين والمناورات العسكرية (مثيل العدو هو قوى تعتمد في معرض اجراء مناورة عسكرية تدريبية وتقتطع من الجيش نفسه لتلعب دور العدو من اجل اضفاء شيء من الواقعية على التمرين او المناورة التي يقوم بها الجيش).‏

هذه هي حقيقة المشهد الذي رسمته اميركا والذي تعول عليه لتحقيق اهدافها دونما تدخل عسكري بري مباشر من جيوشها او قوات لحلف الاطلسي الذي تقود، اما اللجوء الى الطيران والضربات الجوية، فله وظيفة مركزية هي المحافظة على تسعير الميدان وقطع الطريق على اي عمل سلمي او ميداني عسكري لاخماد تلك النار قبل تحقيق الاغراض الاميركية. وبالتاي فاننا نفهم جيدا المواقف الاميركية التي تحدد مهلاً طويلة لحرب الاستنزاف التدميرية هذه، كما نفهم جيدا تلك الضغوط الاميركية التي تمارس هنا وهناك على هذه الدولة او تلك من اجل الزامها بالجلوس في المقعد الذي خصص لها في اطار المشروع الاميركي التدميري، وفي معرض توزيع الادوار كل وفق طاقاته وامكانته في خدمة المشروع، ولا تتأخر اميركا في التعامل مع تلك الاطراف بمنطق الترهيب والابتزاز لالزامها بذلك، كما فعلت مع تركيا مثلا حيث ان الاخيرة ترددت في البدء في اعلان الانضواء في التحالف الاميركي محددة شروطا ومصالح لنفسها، فجاء تصريح بايدن ليصفها برعاية الارهاب، وهو تهديد مباشرة للضغط، فرضخت للطلب الاميركي بفتح معسكرات تدريب الارهابيين علانية ليؤمنوا الوقود لحرب الاستنزاف التدميرية، عندها اعتذر بايدن منها في لعبة مكشوفة سمجة لا تنطلي على عاقل.‏

لقد فرضت اميركا على المنطقة حربا تريدها طويلة لا تنتهي في شهر او سنة لان التدمير يستلزم هذا الوقت من جهة ولان الترويج للحرب الطويلة يخدم اميركا في الحرب النفسية للضغط على الخصوم الذين وضعتهم أمام خيارات ثلاثة : الاستسلام والاكتفاء بما دمر حتى الان، او السير بالخطة الاميركية بشكل ردات فعل عشوائية بما يحقق الغاية الاميركية من حرب الاستنزاف التدميري ، او المواجهة وفقا لخطة علمية منهجية تقطع الطريق على اطالة حرب الاستنزاف اولا، وتسقط المشروع الاميركي تاليا.‏

ومن البديهي بالنسبة للذين واجهوا المشروع الصهيو اميركي منفردين لمدة ثلاثة عقود وقدموا التضحيات الجسام في مواجهته واستطاعوا افشاله واسقاط الحلم الاميركي بالسيطرة على العالم، من البديهي لهم ألا يسيروا في اي من الحلين الاول والثاني وخاصة انهم يمتلكون الامكانات والقدرات واكتسبوا من الخبرات والصداقات وعقدوا من التحالفات ما يمكنهم العمل بمواجهة علمية تقطع الطريق على السلوك الاميركي الاجرامي الشيطاني.‏

لقد ثبت محور المقاومة على مدار ثلاثة عقود في الميدان واجهض كل الخطط والمشاريع الاميركية لاسقاطه واستباحة المنطقة، وهو اليوم ورغم كل ما قدم من تضحيات على اكثر من صعيد، ما فتئ يملك الارادة والقوة على متابعة المواجهة التي تقود الى اسقاط المشروع الاميركي الجديد، ويكفي ان نشير الى ما تحقق في سياق هذه المواجهة في اسبوع واحد ونراقب ما املاه ذلك على المخطط الاميركي واتباعه من ارتباك واضطراب ألزمهم بإعادة النظر ببعض التفاصيل لنعلم اهمية ما في يد محور المقاومة وحلفائه من اوراق يتقن لعبها للنجاح في معركته الدفاعية.‏

وهنا نشير الى ما تم في سورية على يد الجيش العربي السوري والقوات الرديفة من انجازات ميدانية بالغة الاهمية من الشمال في محيط حلب الى القلب في محيط دمشق الى الجنوب في محيط درعا، حيث يتأكد أن هذه القوى تمضي بثبات في معركتها الدفاعية غيرعابئة بالصخب والضجيج الاميركي، فتطهر المكان تلو المكان لتخرجه من منطقة الحريق.‏

كما نتوقف عند اهمية ما انجز في لبنان على محور بريتال وجرودها من كسر للهجوم الارهابي على يد المقاومة التي ينظمها حزب الله، وما تلا ذلك من تطهير للجرود وملاحقة للارهابيين حتى مشارف عسال الورد حيث تولت أمرهم وحدات من الجيش العربي السوري وبالتناغم مع حزب الله، وارسلتهم الى حيث يجب. عمل ترافق مع العملية الصاعقة التي نفذتها المقاومة في مزارع شبعا ووجهت عبرها رسالة بليغة مزدوجة للاداة الارهابية المسماة جبهة النصرة التي تتحضر في الجولان المحتل للدخول الى لبنان، ولاسرائيل حاضنة هذا التنظيم الارهابي برعاية اميركية ما قطع الطريق على اوهام الطرفين واحلامهما.‏

ولا ننسى الموقف الايراني التحذيري لتركيا من التدخل، وما تبعه من اتصالات ايرانية اميركية اكدت فيها ايران استعدادها للقيام بكل ما يلزم حتى وفي الميدان من اجل منع المس بحلفائها في محور المقاومة، وهو تحذير تفهمه اميركا جيدا لانه لا يفسر لديها الا بحرب اقليمية شاملة لا يبدو انها مستعدة لخوضها.‏

إذاً المشهد واضح والخيارات امام الطرفين محسومة، انها المواجهة، مواجهة بين حلف مرتبك يقاد بالضغط والعصا والتقلب المتتابع وسياسة التعمية والنفاق، وبين محور متماسك قوي يملك الخبرات والطاقات، وخلافا لما تتمناه اميركا من حرب لثلاثة عقود، فاننا نعتقد أن الحسم الدفاعي سيكون في مهل اقصر من ذلك بكثير، حسم يحفظ المنطقة لاهلها مهما كانت التضحيات.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية