|
دراسا ت ومع أن بعض العرب يُغالي كثيرا في تبني هذه النظرية فإن منطق العلاقات الدولية يقوم على أن هناك مصالح لقوى عظمى وكبرى, تقتضي ترتيب أوضاع الأقاليم المهمة في العالم.. ومنها الوطن العربي- على النحو الذي يلائم تلك المصالح, وهنا قد يصبح الخيط رفيعا بين المؤامرة وبين السياسات الخارجية التي تتبعها القوى العظمى والكبرى لتحقيق مصالحها وتعزيزها. ومع انفراد الولايات المتحدة الأميركية بقيادة النظام العالمي منذ تفكك الاتحاد السوفييتي عام 1991 واندفاع الإدارة الراهنة في تنفيذ رؤيتها لإعادة ترتيب العالم في أعقاب أحداث الحادي عشر من أيلول, أصبح واضحا أن للوطن العربي مكانه المتميز ضمن هذه الرؤية,وأن الستار الذي ستجري الإدارة الأميركية من خلفه كافة العمليات الجراحية لتغيير ملامح هذا الوطن هو ( الإرهاب). بدأت الأمور شديدة التناقض في فلسطين المحتلة حين فرض الرئيس الأميركي معايير خاطئة للصراع العربي- الإسرائيلي, باعتباره صراعا بين قوى ( الإرهاب) أي المقاومة وقوى الديمقراطية ( أي إسرائيل) ومطالبته باجتثاث قوى الإرهاب إذا كان للسلام أن يتحقق, وإذا كان ( بوش) قد عجز حتى اللحظة عن تسويقه كاملا, فقد تمكن بالذريعة نفسها الحرب على الإرهاب, بالإضافة إلى ذرائع أخرى معروفة للجميع من إسقاط النظام العراقي بغزو مسلح فاقد للشرعية, وبدا بعدها أن الدور قد حل على السودان لإجراء العملية أو العمليات الجراحية المطلوبة من منظور مشكلة الجنوب أولا ثم مشكلة ( دارفور) حاليا. وما يجري اليوم هو تكملة لسيناريو التفتيت الذي بدأ منذ زمن, لكنه بصورة وقناع مختلف هو الشرق الأوسط الكبير, والذي سيضم العرب والكيان الصهيوني وباكستان وأفغانستان وتركيا وإيران, هذا الشرق الأوسط هو امتداد للمشروع الصهيوني الذي طرحه منذ سنوات شيمون بيريز رئىس وزراء (إسرائيل) السابق, وهذا الطرح يستهدف تذويب الهوية القومية للعرب, ودمج الكيان الصهيوني في المنطقة. وبالطبع الهدف ليس الديمقراطية أو الحرية أو وحدة المسلمين, وإنما هو إلغاء هذه الوحدة وتدمير جسور التواصل بين الشعوب الإسلامية وبين حضارتها وثقافتها ولغتها وعقيدتها الدينية, وإدماج فيروس الصهيونية في قلبها ليمارس مخططاته السرطانية في داخلها بحرية تامة, وهذا واضح تماما في موضوع تغيير المناهج والهجوم على التعليم الديني والتشكيك في الثقافة الإسلامية والموروث الحضاري والترويج لثقافة الفتنة والبرامج الهابطة عبر القنوات الإعلامية الأجنبية المعربة وغير المعربة وتجنيد بعض الأقلام والأبواق ووسائل الإعلام المختلفة لدعم هذه السياسة والتبشير لها. والهدف في النهاية هو ترسيخ عملية الهيمنة بكل ما تعنيه هذه الكلمة, وهذا بند رئيسي في أجندة الإدارة الأميركية الحالية,,وقد أعلنت عنه بوضوح في مشروعات عدة أهمها المبلغ المرصود في ميزانية عام 2004 والذي يبلغ 145 مليون دولار لتشجيع التعليم العلماني في الوطن العربي, لكن الخطير في هذا الموضوع هو بعض الأصوات النشاز التي بدأت تهتف لهذه السياسة التبشيرية التآمرية, وتمارس دور الترويج لها داخل الوطن العربي, وهذه الأصوات إما أنها جاهلة بأبسط قواعد اللعبة التآمرية التي تجري في المنطقة أو أنها تدخل في دائرة العمالة خاصة بعد أن وصلت خطورتها إلى مرحلة الدعوة إلى تفتيت الأمة العربية. وهذا واضح تماما, مما قاله الشاعر المصري ( فاروق جويدة) في مقاله ( المؤامرة الكبرى) نجد الآن طبولا ترتفع في عالمنا العربي, ونسمع من يقول إن مصر ليست عربية وليست إسلامية بل هي فرعونية ونسمع من يقول إن العراق لطائفة دون سواها, نسمع من يقول إن الجزائر عرب وبربر, وفي السودان أفارقة عرب,وفي لبنان مسلمون ومسيحيون.. وهذا هو بداية سيناريو تمزيق الأمة بكاملها, وهي أصوات ليست عبثية بل إنها مجندة تجنيدا كاملا لتحقيق هذا الهدف. قد يقول البعض إننا نبالغ في تفسير ما يجري في المنطقة بلغة المؤامرة, إن موضوع المؤامرة لا يكفي لتفسير كل شيء وقد ينكر البعض أصلا شيئا اسمه نظرية المؤامرة ونحن هنا لن نطلب ممن يشكك في نظرية المؤامرة, إلا أن يقرأ اعترافات الغرب نفسه بهذه النظرية وأنه فعلا تآمر علينا, وهاكم بعض الأمثلة: الاعتراف الأول جاء على لسان الرئيس جورج بوش عندما قال في أحد خطاباته.. إن الولايات المتحدة ظلت ستة عقود تدعم وتتحمل الأنظمة الاستبدادية لأن مصالحها الحيوية كانت تقتضي ذلك, والاعتراف الثاني جاء في مقال الكاتب البريطاني روبرت فيسك عندما قال في صحيفة ( الأندبندنت) البريطانية: نحن الغرب الذين صنعنا أغلب الحكام الطغاة في الشرق الأوسط, لأننا لا نريد أبدا أن تكون الدول العربية ديمقراطية, فنحن لا نريد بهذه المنطقة سوى جنرالات وحكام بملابس عسكرية بريطانية أو أميركية, إننا كغرب لم نرد يوما للدول العربية أن تكون ديمقراطية, وحتى عندما حاول المصريون في الثلاثينيات من القرن الماضي, إقامة ديمقراطية تدخل البريطانيون ووضعوا المعارضين لهم في السجون, نحن ( الغرب) رسمنا حدود أغلب الدول العربية ووضعنا أغلب حكامها الطغاة ودفعنا لهم الأموال وزودناهم بالأسلحة وتركناهم يحكمون شعوبهم بالحديد والنار.. والاعتراف الثالث ما تحدث عنه عميل السي. آي. إيه, روبرت بير, عندما قال: وقفنا مع ( إسرائيل) والديكتاتوريين والحكام الفاسدين, وعززنا الفساد, قتلنا المسلمين وأغمضنا عيوننا عن قانا ولم نر الحقد في أفغانستان . وقفنا مع شارون في غزوه لبيروت ومذابحه في صبرا وشاتيلا والحرب في العراق, كل ذلك لأن المسلمين ليس لديهم اف 16 ولا القاذفات للقنابل بي ,1 فهل ننتبه إلى ما يجري من مؤامرات في المنطقة قبل فوات الأوان?!!. |
|