تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


«الهجيني» موروث جولاني بامتياز

الجولان في القلب
الأثنين 5-9-2011
لقاء: اسماعيل جرادات

فيما نتابع نشر بعض الموروثات الشعبية في الجولان نقف اليوم عند موروث من هذه الموروثات كان ولايزال يتردد على ألسنة أغلبية أبناء الجولان كونه يندرج تحت مسمى الأغنية الشعبية الجولانية وهذا النوع من الغناء امتداده واسع وعميق..

إنه غناء «الهجيني» وهو مغنى ارتجالي جادت به شرائح اجتماعية جولانية مختلفة.. قاله شيوخ ووجهاء.. ورعبان وبسطاء «الهجيني» يترعرع في أحضان البوادي على ألسنة الرعاة، كما وجد فيه الحصادون زاداً معنوياً يشحذون الهمم ويمدهم بالجد والحماسة.. كما وجد فيه العشاق زاداً لبث عواطفهم تجاه محبوباتهم واشتياقهم لمعشوقاتهم، كما وجد فيه المظلوم احتجاجاً على جور الظالم..‏

يقول الباحث الجولاني أحمد محمود الحسن: الهجيني غناء أغلبية الناس بمختلف فئاتهم الاجتماعية وهو بالفقراء والمحتاجين ألصق، وعلى ألسنتهم تنطلق المشاعر التي تحتضن الهموم.‏

أنواعه‏

ويتابع الحسن قائلاً: يتألف الهجيني من بيتين أو ثلاثة على الأغلب وربما تصل بعض الهجينيات الى السبعة أو أكثر وقد تزيد على العشرين أحياناً في الحالة التي ينظمها الشعراء المحدثون.‏

وأضاف: أريد أن أحدثكم عن التنوع في أداء الهجيني من حيث الصوت وقصره وكيفية غنائه بشكل سريع وبطيء..‏

فهو أي الهجيني- يغنى افرادياً بيتاً بيتاً أو ثنائياً أو جماعياً.. فعندما يبدأ القوال يردد وراءه الرداد حيث يبدأ القوال بالغناء يقول شطراً أو بيتاً كاملاً فيعيد الرداد الشطر.‏

ويتابع الحسن قائلاً: يغنى الهجيني في الدبكة الشعبية على ألحان الإيقاعات السريعة وفي السهرات على الربابة بهدوء ويتشابه هنا مع القصيدة الشعبية أغلب مقامات البيات والرصد إما ايقاعات سريعة كإيقاع الملفوف الراقص السريع أو إيقاع الهجع أو بعض الإيقاعات المركزية التي تتناغم مع حركات الابل وسيرها.‏

ويذكر الباحث الحسن بعض نماذج الهجينيات في الجولان على سبيل المثال لا الحصر فيقول:‏

وإن جيت اهجن ما أنا هجان‏

وأريد أفضي على بالي‏

وحياة من خضر الوديان‏

والبعد ما يرخص الغالي‏

قائل هذا الهجيني يعترف بقلة خبرته في الغناء لكنه يريد أن يغني الهجيني فيروح عن نفسه.. ومثل هذا القول يلقي ضوءاً على العشق عند البدوي من أبناء الجولان وعلى مهمة الهجيني في تقريب الأحبه ومن الهجينيات المشهورة في منطقة الزوية في الجولان:‏

طلعت أنا سلم الرشراش‏

هب الهوى راح يدميني‏

وهذا إن دل على شىء فإنما يدل على ذلك العشق الرائع للمحب وهو يراقب ان ينتظر محبوبته على سلم الرشراش وهو لقب جبل في الزوية فهبت الرياح القوية وهو شارد في محبوبته حتى كاد أن يهوي من الأعلى فحلم بمحبوبته الجميلة ويتمنى لو أن الناس يهنئونه على عشقه.‏

ويتابع الحسن قائلاً: أذكر هنا هجينة غزلية بين المحبوبة وعشيقها بعد أن تيقنت من صدق محبوبها وعدم تقلبه ربما تلين وتمنحه قبلة من الخد أو الشفتين وهذا ماتصرح به هذه الهجينية:‏

ياما أحلى حبه المربوع‏

وبساعه ما بها وناسه‏

خذيت من حبته طرقوع‏

وشبكت إيديا ورا راسها‏

من هذه الهجينية نلحظ جيداً ما يريده المحب من معشوقته وما مدى إجابتها على طلب محبها.‏

كما ترى في هذه الهجينية ترفع الفتاة الجولانية الريفية ببساطتها ان ترتبط بتاجر الجلة والجلة هنا عبارة عن روث البقر الذي يجفف ليكون وقوداً أو سماداً عضوياً وإنما تريد أن ترتبط بشاب مترف يمتطي الحناطير في تنقلاته:‏

يابنت شومي عن الزيال‏

حذورك من تاجر الجلة‏

خذي صبي نمر عمان‏

زرق الحناتير ورنه .. شومي احذري‏

ونموذج آخر:‏

ياراكب فوق مرعوشه‏

زرق على لون غيم الله‏

ياولد باناشر الشوشه‏

حبيتك من دون خلق الله‏

وقائل هذا النموذج من الغناء الشعبي فيه تغني المعشوقة بعشيقها للفروسية ولهذا الفارس كما يقول الباحث أحمد محمود الحسن الذي أضاف قائلاً: المعشوقة التي ترى بعشيقها الفارس الشجاع الذي يمتطي المرعوشة وهي الفرس المتوبة للانطلاق فلا تستقر في مكان من امتطائها فقد أحبته حباً صادقاً من دون خلق الله.‏

وختم الحسن قائلاً: إن الزفرات التي ينتهي بها الهجيني بألفاظ (آه) أو (إيه) ممدودة في ختام كل شطر ما هي الاوصف عاطفي صادق جادت به ألسنة الرعاة والنساء والرجال والشيوخ في ربوع جولاننا الغالي تعبيراً عن همومهم وما تجيش به عواطفهم ومايعتمل في اذهانهم من أفكار على أمل أن تغنى هجينيات الانتصار في ربوع الجولان كون هذه الهجينيات تمثل حالة المقاومة التي يتحلى بها ابناء جولاننا المحتل وهم يواجهون قوات الاحتلال الصهيوني الارهابي.. والهجينيات تفعل فعلها في إذكاء روح المقاومة للاحتلال الذي يحاول إسكات كل أنواع المقاومة لكن هذا الاحتلال لم يصل إلى مبتغاه لأن أبناء الجولان المحتل مؤمنون إيماناً راسخاً بحتمية انتصارهم على هذا الاحتلال الزائل لامحالة.‏

مغنو الهجيني يتحدثون‏

المغني حمد يقول: لقد تعلمت الغناء الهجيني من والدي رحمه الله، والذي كان يتغنى بالأرض وكيف تفتدى بالغالي والنفيس ونحن ابناء الجولان لا يمكن أن ننسى موروثاتنا الشعبية لأنها جزء لا يتجزأ من تاريخنا الذي نعتز ونفتخر به.‏

ويتابع حمد قائلاً: أنا عندما أنشد الهجيني في أحد الأعراس الجولانية هذه الايام إنما أنشده كي أعيد من خلاله إلى ذاكرة الذين يحضرون هذا العرس تاريخهم وحضارتهم وموروثهم الذي لايمكن أن ينسوه.‏

المغني ابو حمد دحام يقول: أنا مارست غناء الهجيني منذ أن كنت صبياً صغيراً ومازلت أمارسه على الرغم من كبر سني.. امارسه مع الغناء على الربابة حيث كنا نجلس في ديوان كبير العائلة ونأخذ في التباري انا مع صديق لي رحمه الله.. كنا نتبارى ونحن نردد المغنى على الطريقة الهجينية هذا المغنى الذي ينطلق من حب الأرض والوطن وتراب تلك الأرض التي نعشقها كعشقنا للحياة.. كما كنا نتبارى في اوصافنا للمعشوقات اللواتي يعجبن بنا..‏

اخيراً‏

إن الهجيني هو أحد الموروثات الجولانية التي نعتز ونفتخر بها كونها تمثل موروثاً حضارياً من حياتنا الجولانية بكل تفاصيلها.‏

asmaeel001@yahoo.com

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية