تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


مواقع أثرية تحاكي التاريخ... «الكرسي» حيث ألقى السيد المسيح موعظة الجبل

الجولان في القلب
الأثنين 5-9-2011
يعتبر موقع الكرسي في الجولان المحتل من المواقع الأثرية القديمة حيث يضم بقايا دير وكنيسة ومبان سكنية إضافة إلى مرسى للزوارق والسفن الصغيرة.

موقع الكرسي الذي يقع في القرية التي تحمل نفس الاسم يقع على بعد 6 كم إلى الجنوب من بلدة البطيحة و10 كم إلى الشمال الشرقي من مدينة فيق تتبع ناحية البطيحة منطقة فيق، بمحافظة القنيطرة ويذكر الباحث بتاريخ الجولان الأستاذ تيسير خلف أن الآراء اختلفت حول أصل اسم الموقع فمنهم من أعاده إلى الكلمة الآرامية كورسا، التي تعني الكرسي ومنهم من رأى تشابهاً بين اسم الموقع وكلمة خنزير باليونانية وربط بين اسم الموقع ومعجزة الخنازير ومنهم من رجح العامل الجغرافي اسم الموقع إلى جرف صخري في الموقع يبدو على شكل كرسي مقعد يعلو الكنيسة ويشار إلى أن هذا الموقع يرد في انجيل متّى باسم كورة الجرجسيين نسبة إلى جرجسة مت8/28.‏

وقد ذكرها الجغرافي ياقوت الحموي في معجم البلدان إذ قال: في مادة كرسي بلفظ الكرسي الذي تجلس عليه الملوك وتشديد الياء ليس للنسبة وهي قرية بطبريا يقال: إن المسيح جمع الحواريين بها وأنفذهم منها إلى النواحي وفيها موضع كرسي زعموا أنه جلس عليه «عليه السلام». ويشير الباحثان تيسير خلف وعز الدين سطاطي في كتابهما المسيح في الجولان تاريخ وآثار عن قرية الكرسي الأثرية أنه كشفت عمليات المسح والتنقيب، التي جرت في الموقع عن آثار وبقايا تعود إلى العهود الرومانية والبيزنطية والعربية - الإسلامية لعل من أهمها ما يلي:‏

- بقايا دير كبير من العهد البيزنطي أبعاده 123* 145م.‏

- سور يحيط بالدير.‏

- بوابة رئيسية في الجدار الغربي للسور محمية ببرج من طابقين.‏

- شارع مرصوف يمتد من البوابة الرئيسية إلى ساحة أمام الكنيسة.‏

- صفوف من الأعمدة تحيط بساحة الكنيسة يبدو أنها لم تكن مسقوفة في المرحلة الأولى فبدت كأروقة مفتوحة.‏

وغُطّيت هذه الأروقة في مرحلة لاحقة إلا أنها تداعت وسقطت مع الزمن ما عدا الرواق الشرقي.‏

يقع الرواق الشرقي بجوار واجهة الكنيسة، وقد تحول هذا الرواق إلى مدخل الكنيسة وهو مدخل مرصوف يقع على جانبيه مقر الكهنة وغرفتان، غرفة في كل جانب.‏

أقيمت قاعة الصلاة في الكنيسة على قناطر محملة فوق صفين من الأعمدة ويضم هذا الجزء صالة وسطى إضافة إلى رواقين جانبيين.‏

كانت الغرف الواقعة على جانبي الرصيف مرصوفة بالفسيفساء، ووجدت رقع من الفسيفساء الملون، في بقية أجزاء الكنيسة.‏

ضمت الأروقة تماثيل الحيوانات زينت الأرضية المرصوفة بصورها إلى جانب أشكال وصور نباتية.‏

وجدت رقعة فسيفساء في بوابة إحدى الغرف الشمالية تحمل صورة زوجين من الحمام يقفان إلى جوار سلة مجدولة.‏

بقيت أجزاء من أرضية فسيفسائية، مع صلبان وتماثيل على امتداد جدار واجهة الكنيسة.‏

في مدخل غرفة حوض التعميد كتابة يونانية تعود إلى عام 585م.‏

في جنوب الدير هناك مغارة خصصت لدفن رهبان الدير وقد وجد فيها نحو ثلاثين هيكلاً عظمياً لرجال تتراوح أعمارهم ما بين الثلاثين والخمسين عاماً.‏

خزان ماء‏

بالقرب من الجزء الشمالي للسور هناك بقايا مبان سكنية ومساحات بيوت ومواقد وأقنية تصريف ويلاحظ من دراسة هذه المباني وجود ثلاث مراحل من البناء، مرحلة أقدم تعود إلى القرنين الخامس والسادس الميلاديين ومرحلة لاحقة تعود إلى القرن السابع ومرحلة أحدث تعود إلى القرن التاسع وكانت هذه المباني محل سكن الرهبان والعاملين في الدير والحجاج.‏

إلى الجنوب من الدير هناك بقايا برج على منحدر سفح التل تعرضت الكنيسة للخراب في أيام الغزو الفارسي للمنطقة في عام 612م.‏

وجرى ترميمها في وقت لاحق غير أنها تعرضت لحريق في مطلع القرن الثامن الميلادي وأصابها الدمار لاحقاً.. وهناك خربة تعرف باسم خربة الكرسي وهي تل قديم كشف التنقيب فيه عن بقايا عمران من العهد الروماني وعن بقايا خان من العهد العربي الإسلامي كان قائماً على رأس التل وقد عثر في هذا الموقع على فخاريات تعود إلى العهود الرومانية والبيرنطية والإسلامية والفرنجية كما وجدت بقايا بناء عام وبقايا معمارية هندسية في الشمال من هذا التل.‏

مقابل موقع الكرسي وداخل بحيرة طبريا تم الكشف عن مرسى قديم استخدمه صائدو الأسماك كما كشف عن حوض لتخزين الأسماك ويشار إلى أن رأس الكرسي يعد من أغنى أجزاء بحيرة طبريا بسمك السردين.‏

يعتقد أن فكرة تخليد معجزة الخنارير هي الدافع الأساس لإقامة الدير والكنسية في هذه الموقع المتميز بالموقع الجغرافي والمناخ المعتدل وتوافر الماء والتربة اللحقية الخصبة والثروة السمكية، وقد تحول الموقع إلى مزار للحجاج المسيحيين منذ أقدم العصور.‏

وتشير البقايا واللقيات إلى أن الموقع لم يكن مجرد مكان عبادة بل كان مركزاً دينياً، وحلقة وصل ما بين فلسطين والجولان وبين العالمين المسيحي والإسلامي ومركزاً اقتصادياً يعتمد بشكل أساسي على السياحة والثروة السمكية وتؤكد هذه البقايا واللقيات الدور الحضاري الذي لعبه هذا الموقع في تاريخ المنطقة وموروثها الثقافي.‏

أخيراً عند زيارة بابا الفايتكان يوحنا بولس السادس لمنطقة الشرق الأوسط أقام في قرية الكرسي المحتلة قداساً دينياً من أعلى التل الذي يقال إن السيد المسيح عليه السلام ألقى من فوقه موعظة الجبل.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية