تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الأزمة اليمنية.. بين التجاذبات السياسية والشعبية

شؤون سياسية
الأثنين 5-9-2011
غالب حسن محمد

ستة أشهر ولاتزال الأزمة اليمنية تراوح في مكانها رغم المحاولات الدؤوبة للمساعي الداخلية والإقليمية والدولية فالوضع كما هو على حاله، الحديث عن توقيع الرئيس على المبادرة الخليجية والتي رفضها أكثر من مرة لايزال مطروحاً على أرض الواقع.

نحن أمام مشهد الدولة التي تتجاذبها أطراف عدة دولة مهددة في وحدتها مالم يتم تفعيل تسوية ما تمنع اليمن من الانجرار إلى فوضى عارمة.‏

في الآونة الأخيرة نلاحظ عودة المبادرة الخليجية إلى الواجهة وإمكانية توقيعها من قبل الرئيس اليمني إثر خروجه من المشفى خاصة أن هذه المبادرة أصبحت مطلباً إقليمياً ودولياً إضافة إلى اعتبارها مطلباً داخلياً.‏

لقد ظهر للعيان أن الرئيس على وشك التوقيع على المبادرة بعدما أرسل أكثر من مؤشر إيجابي يفيد بإمكانية التوقيع عليها ولكن نشاهد بعض العراقيل في اللحظات الأخيرة حالت دون توقيع المبادرة.‏

بعض المراقبين يرون بأن الرئيس اليمني ومن ورائه حزب المؤتمر الشعبي العام يدرسان العديد من الخيارات من أجل اختيار الأفضل وذلك قبل إعلان الرئيس عن نقل الصلاحيات إلى نائبه بموجب المبادرة الخليجية وبناء عليه فقد استدعى عدداً من قيادات الحزب الحاكم إلى العاصمة السعودية للتشاور في كل الاحتمالات.‏

من بين هذه الاحتمالات التوقيع على المبادرة المذكورة وما يترتب على ذلك من تداعيات سياسية على الحزب الحاكم وشركائه من جملة هذه التداعيات، ربما تحول هذا الحزب إلى حزب معارض مع قدوم رئيس جديد منتخب بناء على المبادرة بعد ثلاثة أشهر وهذا يشكل قلقاً لدى الرئيس علي عبد الله الصالح وشركائه.‏

ويشير بعض المراقبين أن هذه النقطة تؤرق بال القيادات الحزبية في الحزب الحاكم وتظهر خوفهم من الإفلات بزمام المبادرة بعد تنحي الرئيس وتخليه عن الحكم.‏

بموازاة التحركات الرسمية والحزبية التي يقودها النظام للبقاء في دائرة صنع القرار تبدو المعارضة في وضع أقوى نسبياً حيث أن موقفها محمي من الشارع وبالذات من قبل الشباب في ساحات التغيير على الرغم من ظهور تباين في درجة هذه الحماية.‏

لقد جاءت دعوة المعارضة إلى تشكيل المجلس الوطني متزامنة مع اعلان الرئيس عن التعاطي الإيجابي مع المبادرة الخليجية ولم تكن الدعوة لتشكيل المجلس الوطني ليحل محل الحزب الحاكم وإنما ليعمل على جمع أطياف الثورة كافة.‏

في المقابل يرى حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم في إعلان المجلس الوطني دعوة للحرب وينظر إليه على أنه ضرب من الخيال والتهور السياسي غير محسوب العواقب كما أنه يتنافى مع الدستور والقانون ومع إرادة الشعب الذي بيده كل السلطات وباعتباره مصدر السلطات ويرى أنصار النظام أن إعلان المجلس الوطني يسعى إلى شرعنة الفوضى تحت مسمى الشرعية الثورية.‏

بين هذين المفهومين نرى بأن الأزمة تراوح مكانها بين التجاذب السياسي والشعبي، شباب الساحات يريدون الإسراع في خطوات متقدمة إلى الأمام وعدم منح السلطة فرصة لإعادة ترتيب أوضاعها من جديد فيما الحزب الحاكم يسعى إلى فرملة هذا التوجه والخروج بأقل الخسائر من المعركة الحالية في ظل الضغوط الدولية المتزايدة على الرئيس لحثه على التوقيع على المبادرة الخليجية في أسرع وقت ممكن.‏

النظام الحاكم لايرفض المبادرة ولكنه يضع شروطاً تضمن تطبيقها ويبحث في آلية تنفيذها أما المعارضة رغم الانتقادات التي توجه لها من شباب ساحات التغيير فإنها لاتزال تتعامل مع المبادرة من زاوية إيجابية.‏

المعارضة تطالب بالحوار السياسي باعتباره مكملاً للثورة وباعتباره المحافظ على الثورة واستمرارها كل هذا الوقت الطويل. أما النظام فيرى في إعلان المجلس الوطني إعلان حرب ويحمل المسؤولية والنتائج المترتبة والتبعات على المعارضة.‏

الكل يرفض الذهاب إلى أبعد من الإطار الحالي للخلافات بمعنى أن هناك رغبة حقيقية لدى الأطراف لإبقاء الحال على ما هو عليه لحين التوصل إلى اتفاق سياسي ينهي الأزمة القائمة بتداعياتها وسلبياتها كافة إلا أن الشواهد على الأرض تؤكد أن الطرفين يهرولان إلى ماهو أبعد من مجرد مناوشات عسكرية هنا وهناك.‏

إن خيار الهرولة هذا مرفوض من قبل قوى الثورة والوسطاء الإقليميين والدوليين لأنها تدرك بأن اليمن يقعد على برميل من البارود أو كما قال الرئيس اليمني إن اليمن «قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أي وقت» أمام هذا المشهد ماهو الخيار الذي يجنب البلاد مخاطر الانزلاق إلى مربع العنف؟ وهل تقبل الأطراف السياسية والعسكرية في المشهد القائم اليوم مناقشة السبل والوسائل التي تجنبها المسؤولية الأخلاقية في إيصال البلاد إلى الحرب الأهلية؟‏

الكل يشعر بالخطر الذي عليه اليمن اليوم والكل مؤمن بضرورة تجاوز الأزمة القائمة بأقل الخسائر إلا أن المخاوف أن تبقى قائمة نظراً إلى اتساع رقعة الأزمة من رقعة سياسية إلى رقعة عسكرية وسقوط المزيد من الضحايا من الطرفين الأمر الذي يجعل هذه المخاوف مسألة طبيعية ويعطي انطباعاً بأن الأيام الصعبة لم تأت بعد.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية