|
مسرح من حكايات الخلق و الطوفان الغنية بالميتافيزيق, و من حكايات المعارك والانقلابات الحقيقية. و لذلك صارت, انفجرت عندهما التراجيديا و الكوميديا, كمٌّ هائلٌ من المسرحيات التي تربِّي في النفس قيم الجمال بثُّوها- مسرحياتٍ بثُّوها, قدَّموها في برامجهم بدءاً من خشبة المسرح إلى المدارس فالمعابد, و بدأوا أوَّل ما بدأوا بتقديم الكوميديا و حكايات الحب للجيل الناشئ, ثمَّ لما كبر أعطوه التراجيديا. بل فعلوا أكثر من ذلك حين أنشؤوا مسارح متنقِّلة, حيث كان هناك مسرحٌ ينتقل في أرجاء الدولة الإغريقية في القرن السادس ق0م ؛ عندما كانت ( عربة تسبس) تتجوَّل في العرض المسرحي من مدينة إلى قرية, و كانت تتألَّف من طابقين؛السفلي للملابس , والعلوي لتقديم العرض في الأماكن العامة. و مثلهم فعل الرومان حيث كانوا ينصبون منصَّات مؤقَّتة في الشوارع و في أنحاء الدولة لتقديم المسرحيات عليها؛ذلك قبل أن يبنوا, يشيِّدوا المسارح الحجرية في عهد( بمبيوس) سنة 150 ق. م. ثمَّ وبعد انتشار الديانة المسيحية وفي العصور الوسطى؛ صارت العروض المسرحية تُقدَّم داخل الكنيسة فوق الهيكل, ثمَّ انتقل العرض إلى فناء الكنيسة, وإلى ساحات الأديرة. و في عصر النهضة الأوروبية قامت فرقة(ديلارتي) بتقديم عروضها في الساحات العامة, و ممرَّات الفنادق, وعلى العربات كتلك التي كان الإغريق يستخدمونها. كذلك فعل المسرح»الإليزابيثي» في انكلترا فيقدِّم عروضه داخل فناء الفنادق. و كذلك فعل (المسرح الحيّْ) في أميركا الذي أسَّسه «جوديت ماليا» و « جوليان بيك» عام 1963, و كان يقدِّم عروضه في الشوارع و الساحات. بل إنَّه و في العصور الوسطى وما للمسرح من دورٍ تعليمي قامت الكنيسة بتقديم مسرحيات الأسرارmystery, و الخوارق mirale play, و المسرحية الأخلاقيةmorality. وهي مسرحياتٌ إرشادية تعليمية لتفسير عقائد الكنيسة و شرحها للجماهير, و لقد كان الهدف من وراء ذلك هو تثبيت عقيدة الشعب الأمِّي و تقويتها. ما الذي تفعله المنظومة التربوية العربية؟.. أنا لا أعتقد أنَّ أحداً من أركانها سيُصاب بالسرطان أو الإيدز إذا شاهدَ أو تفرَّجَ على المسرحيات- المسرح, ومهما أكثر من هذه الفرجة. هل هناك مسعى/سعيٌ لإجهاض دور المسرح التربوي؟؟؟.. فالسياسات الحكومية العربية معظمها تريد من المسرح أن يُوقِعَ المتفرِّج في الغموض و الارتباك و التشوُّش . هل نعودُ فنهرب إلى الشعر باعتباره ديواننا؟.. ثمَّ لماذا كُنَّا نتربَّى على قول الشعر؛ وسماع الشعر, و إنشاد و غناء الشعر؟.. ألانَّه يقوم على الفطرة التي تثيرها الانفعالات؛ فتأخَّرنا في صناعة عقلنا؛ مستقبلنا؛ نهضتنا. و لماذا لم نشتغل بالنثر- المسرح, الذي يأبى إلا أن يصدر عن العقل الأكثر وعياً بمصيره الإنساني, بالعلم, بالتفوُّق, بالقوَّة, بالحياة الديمقراطية. و هل تأخَّر مسرحنا لأنَّ شِعْرَنا كان يتقدَّم على نثرنا؛ على عقلنا؟؟؟.... النثر فيه نقدٌ, الشعر فيه طربٌ؛ حكمةٌ؛ يُعلِّم الغناء, يدفع إلى الغناء و الرقص. بينما النثر يدفع إلى التفكير, إلى النقد, إلى الحريَّة. ماذا يفعل رجال المسرح بحركة الفكر أو بإرادة القوَّة التي تسكنهم؟ هل ليستبدلونها بالمطلق الذي في الجمال أو في التاريخ. و كيف سيتخلُّون عن الدفاع عن الهوية الثقافية لأمَّتهم التي تهدِّدها جبهات الاستبداد المعسكرة و المستعمرة التي تسكن الكتب المدرسية, و أجهزة الإعلام, والأسواق, والمصانع, وحتى خشبات المسارح. المسرحيون العرب في الستينيات و السبعينيات من القرن العشرين قويت قبضتهم على قضايا اجتماعية و سياسية من مثل: نعمان عاشور, و ألفرد فرج, و محمود دياب, و سعد الدين وهبة, و يعقوب الشدراوي, و روجيه عساف, و عبد الكريم برشيد, و عز الدين المدني, و صقر الرشود, و سعد الله ونوس, و مصطفى الحلاج, و ممدوح عدوان, و فرحان بلبل.. وآخرين. فذهبوا إلى القوَّة الإنسانية, و إلى الضعف الإنساني, على إنَّهما ضدَّان ينشطان و يذبلان حين يصطدمان بقمع السلطة أو يفلتان منه. المسرح هو غير الشعر, إنَّه يربِّي قيم الجمال في النفس, هو يأخذ إلى النبل و السحر, فيثري الروح, فلا يتململ المتفرِّج/ الإنسان , و لا يتلوَّى و لا يتثاءب و هو ذاهبٌ إلى أصعب المهام التي قد يلقى فيها حتفه؛ من مثل الدفاع عن الوطن أو حتى عن حبيبته. هي ومضاتٌ, لكنَّ سحرها, سرَّها ينتشر في الروح فيقوى الجسد الذي في الصالة, تقوى وسائله الفيزيقية و النفسية. ماذا يُكادُ لنا كأمَّة؟.. وهل نحن عاجزون عن إنتاج ثقافتنا, عن صنع مستقبلنا؛ صنع عقلنا الذي في مسرحنا؟؟؟. |
|