|
إضاءات وفي مجمل الأحوال لا يستطيع أحد أن ينكر أن الثورات العربية والاحتجاجات التي تشهدها بعض الساحات أصبحت وسيلة وذريعة وحجة للكثير من القوى العالمية للدخول عليها وركب موجاتها واستثمارها لتحقيق غايات سياسية واقتصادية ومشاريع كانت موضوعة في الثلاجة ربما وحان الآن قطافها، والأكثر من ذلك يكتشف الباحث الحصيف أن ثمة مافيات حقيقية سياسية واقتصادية أصبحت تستثمر في الثورات العربية لتكون بالنسبة لها ثروة وليس ثورة كما يريد الكثير من الفاعلين الحقيقيين لها، وإلا كيف نفسر هذا التهافت الغربي وانعقاد المؤتمرات الدولية للتعاطي مع ما جرى في ليبيا قبل ان تجف دماء الليبيين ويتوقف سيلان دمائهم، والانكى من ذلك أن الصناديق الدولية بدأت بفتح خزاناتها وأرقام حساباتها التي يفترض أن تتسم بالسرية لتكون الوقود المغذي لذلك، فالواضح هنا أن القضية بالنسبة للغرب هي الاستثمار في الحالة الليبية وعلى منطق الربح والخسارة وتوازن الحصص بين الشركاء في القتل فلو كان الأمر بالنسبة للغرب قضية ديمقراطية وبناء دولة مؤسسات وقضاء على الديكتاتورية لكنا قد وجدنا مؤتمراً أو منتدى دوليا يصب في هذا الاتجاه ولكن القضية كما اشرنا هي بالنسبة لهم شيء آخر تماما. لقد وجدت الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية أن الحل السحري لأزماتها الاقتصادية المعقدة والتي جعلتها تقف عند حافة الإفلاس السياسي والاقتصادي هو في الاستثمار في الأزمات ولما كان العمود الفقري للاقتصاديات الغربية وبالأخص الولايات المتحدة الأميركية هو تجارة السلاح وإنتاج وتسويق البترول وخاصة أن هذا الأخير أصبح عصب الاقتصاد العالمي –كان من الطبيعي أن تتجه الأنظار إلى منطقتنا العربية الحبلى بالأزمات وأشكال التوتر والعنف والاحتقان والقابلة للاشتعال في اية لحظة لتكون المجال الحيوي لذلك وتشكل الفضاء الجغرافي والسياسي والعسكري المناسب له. إن مقاربة ما يجري على هذه الشاكلة لا يعني إطلاقا أن ثمة مؤامرة اتفق عليها بين الغرب بمكوناته وشعوب المنطقة لتقوم بما قامت به فهذا منطق مرفوض وغير موضوعي ولكن الحديث هنا في درجة استثمار ما جرى ويجري وبما يخدم هذه الاستراتيجيات وهنا تاتي المؤامرة ملتحقة بالحدث لا صانعة له بمعنى أن الغرب التقط اللحظة التاريخية وركب الموجة ليعمل قدر استطاعته على استثمار طاقتها وبما يخدم مصالحة واستراتيجياته ولعل هذه الميزة هي ما عنته الوزيرة كلينتون عندما استبقت حديث الرئيس الأميركي أوباما وتعليقه على ما جرى في مصر بعد الثورة بقولها إن السياسة الأميركية تتسم بالديناميكية في تعاطيها مع قضايا المنطقة وحركة الاحتجاجات فيها والمقصود هنا باعتقادي هو القدرة على التكيف الخلاق مع الحالة الجديدة والعمل على توظيفها بما يخدم المصالح الإستراتيجية الأميركية. إن حديث ساسة الغرب ووسائل إعلامه عن الحاجة لـ 2,5تريليون دولار لإعادة اعمار ثلاث دول دمرت بحروب هم أشعلوها أو نفخوا في أوارها يجعل الصورة أكثر وضوحاً ويبرز العامل الاقتصادي فاعلا أساسياً في تفسير طريقة التعاطي الغربي مع ما يجري في المنطقة وخاصة أننا بدأنا نلحظ وفي أكثر من ساحة أو مكان أن العامل الخارجي أصبح الأكثر حضورا في المشهد الذي يلف الحراك الاجتماعي والسياسي إلى درجة أن الصراع والتنافس الاقتصادي على مناطق النفوذ والثروات هو المشهد المسيطر على الساحة الدولية وفي داخل المؤسسات المعنية أصلا بالسلم العالمي كمجلس الأمن وغيره . إن الحديث عن مناطق نفوذ تحكمها عقلية كولونيالية لم يعد حديثا عن تاريخ ماض بقدر ما هو حديث عن واقع يجري على الأرض ولعل الجديد هو أنه في عصور الاستعمار التقليدي كان الذي يجري توزيع واقتسام الدول والأوطان بكل مكوناتها أما راهناً فهو الشراكة الدولية في تقسيم الثروات في الدولة أو الكيان ذاته. |
|