|
رسم بالكلمات أرى أنه على الناقد إذا ما جازف، وقرّر أن يتخلّص من مشاعر المحبة، والاحترام، والمجاملة « الكريهة » التي لا توصل إلى نهايةٍ صحيحة أبداً. ألا يترك في نهاية مقالته أي أثر يدل على شخصيته. وإلاّعليه أن يكون على استعداد لتلقي العديد من النظرات المتوعدة، وسيل من الأدعية التي تصل أحياناً إلى حدّ «الشتيمة». وهنا تحضرني مقولة للشاعر جودت حسن، وهو معروف بنقده اللاذع، وبعدم امتلاكه ناصية المجاملة والمداهنة التي تضرّ كثيراً بالأدب «حسب زعمه» , كنتُ يومها ما زلتُ أحبو على أبواب الكتب والصفحات البيضاء أبحث عن جمال الكلمة, وروعة المعنى, قال لي بالحرف الواحد : لا تنتظر مني أن أصفق لك لعملٍ رديء, ولا تتوقّع مني أن أعطيك المديح الذي تستحق, بل توقع ما هو دون ذلك, وإلاّ لن تصل إلى نهاية تتمناها. أعتقد أنه كان وراء إتلاف العديد من الأعمال التي كتبتها سواء أكانت شعراً أم قصّة. بالعودة إلى الناقد الكبير مارون عبود ومقولته، فإنني أعتقد أن الناقد كي يتجنب السهام التي قد تصيبه فيما لو لم «يطبل ويزمر» للعمل الذي يتناوله النقد فإن من الواجب عليه أن يقدم نقده إلى الدوريات ليسجل تماماً كالجرائم التي نسمع بها وتسجل ضد مجهول..! ولا أعلم لماذا قفزت إلى ذاكرتي تلك المقولة التي نردّدها دائماً عندما نفقد عزيزاً : اذكروا محاسن موتاكم. فالميت هو وحده من لا يحق للآخرين أن ينتقدوا أعماله لأنه فقد الحياة ولم يعد باستطاعته أن يراجع ما قام به في سبيل إصلاحه والاستفادة من الإشارة التي يتلقاها من الآخرين..! ولكن, إذا ما اتصف الشخص الذي يتناوله النقد، بسعة الأفق، وبالخبرة والسلاح المعرفي، فإن بإمكانه أن يذود عن أسواره المعرفيّة ويحاول إصلاح السياج إن وَجَدَ ذلك ضرورياً. ولا أذيع سراً لو رويت ما حدث معي في أحد المراكز الثقافيّة « المتميزة » في مناطق محافظة طرطوس فبعد أن تمّ نشر مقال لي يتحدّث عن الوضع الثقافي بشكلٍ عام في المراكز والانحدار المخيف في نسب حضور النشاطات الثقافية فقد استقبلني مدير المركز بكل رحابة صدر وشدّ على يدي وقابلني بنفس الابتسامة الصادقة, وكان لوقع كلماته التشجيعيّة الأثر البالغ في نفسي، وبالمناسبة المدير المذكور غالباً ما يدفع من «جيبه» كأجور مواصلات لاستقدام العديد من أبناء القرى البعيدة عن المركز لحضور النشاطات الثقافية ولا أريد أن أذكر أشياءً أخرى في هذا المجال. قال لي بالحرف الواحد : الله يعطيك العافية.. وأضاف بنبرة الواثق من نفسه أن المقالة المذكورة تنضمّ إلى العديد من المقالات التي تناولت الوضع الثقافي, ولكن.. هناك الكثير من النقاط التي لم يتم التعرض إليها، ومن ضمن تلك النقاط الاهتمام من قبل المؤسسات الأخرى في المدينة بالنشاطات الثقافية, والعمل على تشجيع العاملين في تلك المؤسسات للمشاركة والحضور, والقيام بالمداخلات التي تغني المحاضرة ولا عذر لأحد فالعمل الدعائي يوزع قبل الموعد بفترة كافية! لكن ( وقالها بحسرة ) إذا كان مدير المؤسسة لا يهتم لذلك فكيف بمن هم مرؤوسون لديه. ثمّ تطرّق للعديد من النقاط الهامة والمفيدة وأصرّ على ضرورة القيام بوضع خطة شاملة للنهوض بالوضع الثقافي في ظل ما نتعرض له من حملات دعائية معادية القصد منها طمس المعالم الثقافية وقتل القيم المعرفية، وقد ركّز على أن يكون لوزارة التربية دور كبير وهام وخصوصاً أن العديد من المكتبات المدرسيّة « في القرى » بشكلٍ كبير تقتصر الكتب الثقافية والمعرفيّة فيها على بعض الخرائط والمصورات التي تئن تحت الغبار. أن تعترف بما يواجهك من منغصات وتعمل على معالجته بالإمكانات المتوفرة، وأن تعترف وتتقبّل النقد البناء في سبيل التصحيح لا التجريح أفضل من التلطّي خلف ورقة التوت في وقتٍ توشك فيه تلك الورقة على السقوط..!! |
|